ما الذي يجعل الاسرائيليين بهذه الحالة من التوتر والحذر وارسال التهديدات المباشرة للجهاد الاسلامي وقيادتها وتحذيرهم من القيام بأي عمل انتقامي ردا على استشهاد اثني عشر فلسطينيا بعد تدمير النفق قبل حوالي اسبوعين.
الجنرال يوآف مردخاي الملقب ببولي وهو المنسق لأعمال الحكومة الاسرائيلية في المناطق الفلسطينية، وجه انذار من خلال شريط فيديو تحدث به باللغة العربية حذر فيه الجهاد الاسلامي وخاصة، قيادة الجهاد في دمشق الدكتور رمضان شلح ونائبه زياد النخالة، حملهم مسؤولية اي عمل يقوم به الجهاد سواء من غزة او اي مكان آخر.
وأمس في كلمته الافتتاحية لجلسة مجلس الوزراء الاسبوعي وجه نتنياهو هو الاخر تهديده المباشر للجهاد الاسلامي وحذرهم من القيام باي عمل لان رد الفعل الاسرائيلي سيكون قاسي، ولم يكتفي بتوجيه التهديدات للجهاد بل ايضا حمل حماس المسؤولية مسبقا عن اي عمل قد يحدث باعتبارها ما زالت المسيطرة فعليا على غزة.
وزير الجيش افيقدور ليبرمان خلال الاسبوعين الاخيريين هو الاخر لم يترك مناسبه دون التهديد والوعيد والتحذير من مغبة القيام باي عمل ضد الاهداف الاسرائيلية انتقاما لشهداء النفق.
هذا الرتم العالي من التهديدات يرافقه اجراءات على الارض خاصة على الحدود مع غزة والمستوطنات المحيطة بها، حيث يتحركون بحذر شديد وهناك نشاطات قد توقفت لكيلا تكون اهداف سهلة وبطاريات القبة الحديدية ما زالت منصوبة بالقرب من وفي غلاف غزة ووحدات خاصة على اتم الجاهزية لكل طارئ وكأن لسان حالهم يقول ان الضربة قادمة قادمه والسؤال هو متى وأين ستكون.
اسرائيل لا تتصرف بهذا الشكل دون ان يكون لديها معلومات استخباراتية لا يعرفها سوى اصحاب الشأن. هناك احداث كبيرة تجري وهناك احداث مرتقبة، ولذلك اسرائيل في هذه الحالة ليست بحاجة الى اختلاق مبررات وذرائع لأمور ليس لها رصيد على ارض الواقع.
هناك توتر أخطر في الشمال على الحدود السورية واللبنانية مع إيران وحزب والله، وهناك استقالة لرئيس الوزراء اللبناني تستهدف او تقود بالنتيجة الى رفع الغطاء السياسي والشرعي عن حزب الله. وهناك الطبخة السياسية التي يتم تجهيزها في البيت الابيض والتي ستكون ناضجة قبل نهاية هذا العام والتي تحتاج الى تهيئة الظروف لها ولا تريد اسرائيل ان تتهم بانها هي من وضعت التراب في هذه الطبخة لذلك عليها الانصياع قدر الامكان للرغبة الامريكية.
وهناك المراقبة الاسرائيلية لما يجري على الساحة الفلسطينية من عملية المصالحة التي تسير ببطء شديد وما زالوا لا يمتلكون الاجابة إذا ما ستستمر بهذا الشكل ام ستتوقف عند نقطة معينه وكيف سينعكس ذلك على الوضع الامني والاقتصادي والسياسي في غزة.
حيث وفقا للتقديرات الاسرائيلية لم تتعرض عملية المصالحة حتى الان الى اي اختبار حقيقي.
الرئيس عباس لم يلغي اي قرار من القرارات التي اتخذها مما يزيد من نسبة الاحباط لدى الجميع حيث يقول انه غير مستعجل وفقط ستلغى هذه الاجراءات عندما تتمكن الحكومة من بسط سيادتها كاملة وخاصة السيطرة الامنية.
حكومة الوحدة الوطنية والانتخابات الرئاسية والتشريعية واصلاح (م ت ف) وتسكين الموظفين ودمجهم والتعامل مع الموضوع الامني وسلاح حماس وبقية الفصائل وقضايا تفصيلية اخرى تجعل الاسرائيليين يأخذون في الحسبان كل الاحتمالات وكل السيناريوهات الممكنة.
لذلك هذه الكثافة من التهديدات والتحذيرات الاسرائيلية للجهاد الاسلامي خاصة، والفصائل الفلسطينية بشكل عام هو على الارجح نابعة من معلومات محددة لديهم ان هناك قرارا لدى الجهاد الاسلامي بتنفيذ عملية نوعية، وليس بالضرورة يتم تنفيذها من غزة.
بل ان التقديرات الاسرائيلية ان الجهاد الاسلامي سيتجنب الانطلاق من غزة وسيضرب في مكان اخر. هذا لا يعني بالطبع ان خيار الضرب من غزة ساقط من الحسبان.
اسرائيل من ناحية تراهن على حماس والسلطة والمجتمع الفلسطيني بالضغط على الجهاد بعدم القيام باي عمل في هذه المرحلة، على اعتبار ان كل هذه الاطراف غير معنيه بالتصعيد لكيلا يؤثر ذلك على سير عملية المصالحة وتجنيب غزة مزيدة من الدمار نتيجة ردة الفعل الاسرائيلية التي ستكون في غزة حتى وإن نفذت الجهاد عمليتها في مكان آخر.
من ناحية ثانية هناك من يعتقد ان قيادة الجهاد تتعرض لضغط شديد من قبل قياداتها الميدانية وقواعدها بضرورة الرد والثأر لشهداء النفق.
هناك تقديرات لديهم ايضا، وربما يكون من مصلحتهم تصوير الامر كذلك، بأن إيران معنية بتسخين جبهة غزة وبالتالي هم أكثر المشجعين للجهاد الاسلامي بالرد على العملية.
هذه المتناقضات، اضافة للوضع الاقليمي والدولي تجعل كل الابواب مشرعة وكل الخيارات والاحتمالات واردة في الحسبان.
ومن خلال التجربة ليس كل شيء يحدث في عالمنا يخضع لحسابات المنطق، خاصة في غزة التي تعجز كل اجهزة الاستخبارات في كثير من الاحيان عن فهم سلوك اهلها. شيء واحد مفهوم ومسلم به انها عصية على الكسر وعصية على الترويض.