كتب عدلي صادق: بدا واضحاً أن العقل العربي الباطني، السياسي الرسمي تحديداً، قد استشعر الحرج، حيال الحملة العسكرية الروسية على أوكرانيا، فكان صعباً المجاهرة بمواقف حاسمة، قبل أو بعد التصويت في حال عرض المسألة على الجمعية العامة للأمم المتحدة.
هذا العقل الباطني نفسه، يكتظ بكل أنواع العناصر التي يمكن أن يتشكل منها الموقف ونقيضه، سواء بمعاينة ما هو متاح من التوافق مع روسيا، مع كل ما يحكم العلاقة مع الغرب، لا سيما الولايات المتحدة، التي ما تزال تلتمس الحفاظ على نفوذها.
على الرغم من ذلك، يمكن أن تنشأ عن الحرج أو العجز، بعض الجمل المفيدة، ولو باستعارة ما جاهرت به جولي إليوت، النائبة العمالية في البرلمان البريطاني، عندما شبهت الغزو الروسي لأوكرانيا، باحتلال إسرائيل للضفة الفلسطينية. فقد كانت السيدة جولي، مستعدة للنقاش إن أراد أحد أعضاء البرلمان الاعتراض على هذا التشبيه. وفعلاً، عندما اعترض ستيفن كراب، من حزب المحافظين، لم يستطع حتى إقناع نفسه بأن السيدة جولي، قدمت مقارنة خاطئة. فقد اتسم اعتراضه بالخفة والرياء والافتقار للحد الأدنى من المنطق، لا سيما وهو يلجأ الى التوصيف الجزافي لرأي زميلته، فيزعم أن ما قالته خاطئ تاريخياً وقانونياً وأخلاقياً، دون أن يشرح كيف وقع الخطأ، على مستوى هذه المعايير الثلاثة. وفي الحقيقة إن فتش ستيفن كراب في سجلات التاريخ وملفات حزبه، وفي منطوق القرارات والقوانين أثناء فترة الانتداب البريطاني على فلسطين، ولو عاد الى السيرة الأخلاقية للحركة الصهيونية التي قابلت التواطؤ البريطاني مع مشروعها بالقنابل الإرهابية؛ لوجد من كل هذا أن الخطأ عنده وليس عند النائبة المحترمة، على المستويات التاريخية والقانونية والأخلاقية.
هذه الأخيرة، بدورها، اختصرت الحكاية وردت عليه قائلة: “أمامنا اليوم دولة أوروبية، تواجه الحرب والاحتلال، وإن كنا نقف إلى جانبها في مواجهة العدوان الروسي، ونتحدث بحق عن القانون الدولي، وعن الأهمية الحيوية لسيادة الدول، يحق لنا أن نتساءل: ماذا سيشعر الفلسطينيون في الضفة عندما يسمعون ذلك؟ لقد عانوا 54 عاما من الاحتلال، الذي هو بحد ذاته غزو وعدوان”؟!
عندئذٍ يرد عليها النائب من حزب المحافظين، كمن يلعب بالبيضة والحجر ويكذب، موحياً بأن سياقاً فلسطينياً إسرائيلياً جارياً في اتجاه السلام، وأن كلام النائبة جولي يمكن أن يُفسده أو يعطله وأن يخدش أيضاً مشاعر الأوكرانيين. قال بالحرف وبأسلوب تحايلي ومخادع:” أعتقد أن رأي السيدة جولي، يضر بشكل كبير، ليس فقط بشعب أوكرانيا وإنما أيضاً بشعب فلسطين وشعب إسرائيل، وهما يواجهان معاً، وضعًا فريدًا ومجموعة من التحديات”.
مع وضوح الحرج العربي والعجز عن تظهير موقف، نستذكر حقائق كثيرة متقاطعة، من بينها أن الحكومات العربية، بكل أنماطها، فتحت علاقات تعاون مع الاتحاد الروسي، اقتضتها دواعٍ عدة، من بينها التطور على مستوى التأكيد على السيادة، وعلى حق كل دولة في تأسيس شراكة ومصالح مع الشرق، وحقها في تنويع مصادر السلاح، وفي أخذ ما يناسبها من الخيارات، في سوق الغاز ومشروعات استخراجه وتسويقه، ووفي السوق البترولية، والحفاظ على واردات القمح من أوكرانيا وروسيا. لذا كان السكون السياسي أو الموقف الأقرب الى الصواب في حساباتهم، هو الأخذ بقاعدة “سَكَّن تسلم”. فالضعفاء في النحو يلجؤون الى هذه القاعدة تحاشياً للخطأ والرسوب!
أما الذي يندرج في سياق البلاغة والجسارة، فهو ترك الحماسة لأي من الطرفين، والتركيز على القيم التي عبرت عنها النائبة البريطانية جولي إليوت!