آخر الاخبار

القتل في بيئة مواتية

بقلم: عدلي صادق

كيف يمكن أن نقرأ، بمنظور السياسة، العملية الإرهابية التي نفذتها إسرائيل في نابلس، وأودت بحياة ثلاثة شبان، من فلذات أكبادنا، عندما توغل المهاجمون في المدينة، استخدموا أسلوب التستر نفسه واعتمدوا إحداثيات الحركة نفسها التي يراعيها الإرهابيون في أي مكان، مركبة لا تدل على هوية من يستقلونها، ولوحة مدنية شبيهة بلوحات سيارات الضحايا، ولِباس مُضَلِلْ.

من الطبيعي، بعد ارتكاب الجريمة، أن تأخذ الوقاحة مداها، فيزعم قادة إسرائيل أن العملية بطولية، وأن الذين تسللوا الى المدينة، هم المعنيون بحفظ النظام، وأنهم من محبي السلام، المضطرين للدفاع عن النفس، بينما الإرهابيون ومزعزعو الاستقرار، هم الضحايا، وفي التفصيل، يشرحون قائلين، إن شهداء نابلس أطلقوا الرصاص من قبل، وكانوا يستعدون لعملية أخرى.

في تعليل كل جريمة، ينطلق المحتلون من فرضية أن الضفة هادئة ومستقرة، لولا مجموعة شباب متناثرين، يحملون السلاح، كأنما ليس في الضفة مستوطنون يعتدون على أصحاب الأرض في بيوتهم وحقولهم في الطُرقات على مدار الساعة، باعتراف قادة إسرائيل نفسها، الذين تحدثوا علناً عن “إرهاب يهودي”.

لسنا هنا، بصدد كلام تعبوي ولا حتى بصدد التأسي العاطفي لفقد فلذات الأكباد. فالأجدر بنا تمحيص الظاهرة التي يمثلها الشبان الذين يحملون السلاح دفاعاً عن النفس، سواء في نابلس والمخيمات القريبة منها أو في جنين وغيرها، فالسلطة نفسها دأبت على وصف هؤلاء الشبان بالخارجين على النظام، وتعمدت بين الحين والآخر، الترويج لصورة نمطية شائنة عنهم، لكي تجعلهم مثيري فوضى وتابعين لجهات معارضة تحاول العبث باستقرار وكبرياء واقتدار الأجهزة الأمنية، ويُسمع أحياناً اتهامهم بالعلاقة مع تيار الإصلاح الذي يقوده النائب محمد دحلان. فلم تسأل هذه السلطة نفسها، في أية بيئة سياسية واجتماعية ووطنية نشأت ظاهرة هؤلاء الشباب، فهل ملأت السلطة المتمسكة بالمال والقرار والصلاحيات والعنوان السياسي، فضاءات الوقت والحياة، بتعلية شأن المؤسسات الدستورية، وبضمان الحقوق المدنية، وبتكريس العدالة، وبالسهر على التوافق وتعزيز المشتركات، أو حتى باستعادة الروح النضالية لحركة فتح، أم إنها فعلت العكس، ومن هو الذي يثير الفوضى في الحياة الفلسطينية، صاحب المراسيم بقرارات عوراء، ومعطل التمكين للإرادة الشعبية، ومن أطاح النظام ويكرس الفساد، ومن يرسل مفارز الأمن لكي تقتل الناشط السياسي المعارض بضربات مميته على رأسه، أم الشباب الذي يحملون السلاح دفاعاً عن النفس.

المكابرة نفسها، هي التي تجعل رموز السلطة معنيين بتأثيم الشباب، علماً بأن من يسقط شهيداً في نابلس، صريع رصاص العدو أو رصاص السلطة، تشيّعه نابلس عن بكرة أبيها، لكن رموز الخيبة تظل مصرة على أن هؤلاء الشباب يمثلون ظاهرة معزولة وخارجة عن القانون أو متطفلة على المجتمع.

لماذا يضطر الشباب الى حمل السلاح، وهل ينكر أحد أن السلطة تساعد المحتلين على استباحة دمائهم، لأنها أصلاً تتمنى زوالهم، وهل يراعي المحتلون، الوضع الأدبي للسلطة، عندما يقتلون الفتية الصغار والطاعنين في السن والنساء الأمهات والجدات؟!

ما قاله بيني غانتس وزير الجيش بعد الجريمة لافي نابلس، ينبثق عن القاعدة التي اعتمدتها حكومته، للتعامل مع الشعب الفلسطيني. وعندما يتحدث جنرالات إسرائيل عن “إرهاب يهودي” فإنهم يتناولون الأمر كما لو إنه نوع من الفلكلور، أما الشبان الفلسطينيون فإنهم مطلوبون للقتل بالجملة، عندما يحملون السلاح، ولا بأس من قتلهم فعلاً، ثم تبرير القتل بأنهم ينوون الهجوم ويخططون لأعمال خطيرة.

مسممو البيئة الوطنية الفلسطينية، الذين يفعلون كل شيء، لمنع نشوء عناصر جنينية لكيان وطني جامع، يوفر الحد الأدنى من التوافق على استراتيجية عمل وطني واحدة؛ يخرجون علينا بعد كل مُصاب أليم، فيتمثلون كذباً، مشاعر التفجع على الدماء التي سُفكت، مثلما فعل حسين الشيخ بعد الجريمة الأخيرة. فالرجل “يُطالب” ما يُسمى “المجتمع الدولي” بحماية الشعب الفلسطيني، وتلك مطالبة شبيهة بمطالبات الأطفال من بابا نويل، مع فارق أن الأطفال أبرياء ولا يعلمون أن الذي يطالبونه شخصية أسطورية، بينما هو يعلم أن “المجتمع الدولي” محض كائن أسطوري آخر، لم يثبت حضوره في الواقع. فشيخ الغفلة، يريد إيهام الناس أنه بات فعلاً ولي أمرٍ سياسياً للشعب الفلسطيني، وأنه محروق العجيزة، ولن يقر له قرار، إلا عندما يهب “المجتمع الدولي” لمطاردة غانتس، ولحماية شعبنا الفلسطيني، بمن فيه الشباب الذين تطاردهم السلطة!

أخبار ذات صلة