كتب عدلي صادق: مع الهطول الكثيف للأمطار، تنهمر أنباء قيامة صغرى وشيكة. ترتوي الأرض حتى الإغراق، ويتشبع الناس بالرغبة في التغيير الذي لا مناص منه، ويتوقع المتفائلون قرب ارتفاع الكابوس!
يقال الآن، وفق مصادر متطابقة، أن هو أن عباس لا يريد استفزاز الإسرائيليين وقطع اتصالاته معهم في محاولة محمّلة بالأوهام، لأن يوفروا له طاولة مفاوضات، حتى ولو كانت زجرية وعقيمة، يعرض فيها المحتلون لاءاتهم القطعية، لكي يخرج بخُفي حُنْين.
هذا “المجلس” الذي لم يأذن له عباس بالانعقاد؛ بائس وغير مفوض وليس له جدوى أصلاً، ولدينا التجربة التي هي أكبر برهان. فالأعضاء “المفروزين” إن اجتمعوا ثم غادروا، تنقطع صلتهم بالسياسة.
فليس لهم مؤسسة يتداولون فيها تطورات الحياة السياسية الفلسطينية ووقائعها ولا يؤثرون في مسارات عباس وخياراته، ولا يملكون مجرد التنويه الى أن الأمور تجري على النقيض تماماً مما اتفقوا عليه وتضمنه بيانهم الختامي. وعلى الرغم من ذلك، فإن محض الإيحاء بأن هناك طيفاً فلسطينياً يجتمع، وفيه الموالي والمعارض، أو الصوت ونقيضه، يزعج المحتلين، ويراه عباس سبباً كافياً للتنغيص عليه، وقطع خطوط اتصالاته مع حكومة إسرائيل، وإبطاء حركته في اتجاه الأمريكيين الذين ليس عندهم ما يعطونه لنظام أو سلطة، لا تطرح مطالبها من أرضية صلبة وموحدة ومنسجمة وضاغطة!
مع هطول الأمطار، تجود السماء بما لديها على الأرض السياسية اليَباب، وأهل الأرض في بلادنا حائرون. يعودون الى ندرة الماء، بعد انقشاع الغيوم، وتتولى الأمم مشروعاً لتزويد مدارس أونروا بالمياه العذبة. فالسنون تتوالى، بينما الانقسام يتعمق، والمؤسسات عاجزة عن دحرجة الصخرة عن قبرها لكي تخرج، ومن حول عباس حفنة ثرثارين، لم يفوضهم أحد، يتحدثون عن مصالح فلسطينية عُليا، بينما هم يحرسون زمناً فلسطينياً رديئاً، ويصنعون وقائع سياسية واقتصادية واجتماعية دُنيا وتتدنى!
لم يعرف التاريخ وضعاً لشعب، يمكن أن يستمر بهذه الشاكلة. فمثل هذه الأوضاع، تراكم عناصر الانفجار الذي يبدأ بالفوضى قبل أن يظهر الحكماء الوطنيون لكي يجمعوا ولا يُفرقوا. ولعل الفرصة التي وفرتها الجزائر لمجموعات هذه المرحلة بفصائلها وأسمائها؛ هي المحاولة الأخيرة للمعالجة، بمنطق وجوب التغيير بلا محاصصة وبلا ترقيع. فإما هذه أو الانهيار الشامل الذي يكون له ما بعده من خلال صيرورة تبدأ مريرة وتنتهي بما ليس منه بُد!
أغلب الظن، أن عباس بما عُرف عن تكتيكاته؛ يمكن أن ينحني قليلاً في الجزائر، ويوهم الحاضرين بإيجابيته، ثم يعود الى سياقه المدمر بعد انفضاض السامر. لذا إن لم يخرج اجتماع الجزائر، بخطة للتغيير، تتحدد فيها مواعيد قريبة للانتخابات العامة، وإن لم تؤدِ القمة العربية المنعقدة في التوقيت نفسه، واجبها حيال الشعب الفلسطيني، بإعلان رفضها للإقصاء وتعليق المؤسسات الدستورية وتفشي الفساد؛ فإن فرصة الحل العقلاني ستضيع.
مؤسسة القمة العربية، نشأت أصلاً بسبب قضية فلسطين، منذ انعقاد دورتها النظامية الأولى مساء يوم 13 يناير 1964. ومؤسسة جامعة الدول العربية، هي التي تابعت مسارات الوضع الفلسطيني، وهي التي أعطت عباس بعد انتهاء ولايته، تفويضاً لأن يحكم، وكانت في الواقع تعطيه التفويض لكي يتفرد ويفعل ما فعل، في السلطة والمنظمة وحركة فتح، وهذا هو ما يدركه الفلسطينيون ويأسفون له!
جلسة “المركزي” على الرغم من لا جدواها، ليست هي الحل، وعلى الرغم من ذلك، كان عباس حريصاً على أن يتحاشى إيحاءاتها السياسية وهي محض لفظية. وربما يتوهم أنه قادر على إعادة النظر في بُنية المجلس المذكور، لكي يخفض الصوت المعارض ويضمن أكثرية من الموالين، على الرغم من صعوبة ذلك.
لم تتغير مُدركات القضية ولم يُشطب حرف من الحكاية، وأسباب النضال الوطني تزداد ولا تنقص، بالنظر الى أن القوى الحية في شعب فلسطين، على الرغم من كل المصاعب، ليست أضعف مما كانت عليه في العام 1965 بل إن الأجيال الجديدة مؤهلة لأن تتسلم الراية، بثقافة الفلسطينيين الأولى، وبتأثير فظاظة الاحتلال وغطرسته وجرائمه!