كتب: عدلي صادق:
في ذرائع وتبريرات النزعة الإقصائية، المناطقية في جوهرها؛ كانت جماعة عباس تستخدم مفردات متتوعة لتخوين الناس بالجملة. فمن اشتغلوا في الأجهزة الأمنية أيام تلازم عملها مع السياق التفاوضي الذي أغلقت إسرائيل آفاقه؛ تعرّض عمل أولئك المسؤولين، للتشويه والتخوين، ثم انسحبت اللغة السفيهة نفسها على من يقاومون، وبعدئذٍ طالت لغة التخوين منتسبي حركة فتح الذين يوقدون الشعلة احتفاءً بذكرى الانطلاقة، وشملت حتى من يسمحون للفتحاويين بإيقاد الشعلة.
السؤال الآن: ما الذي يفعله عباس الآن ـ بالضبط ـ في شمالي الضفة، وفي محافظة الخليل كلما “اقتضى” الأمر؟
الغريب العجيب أن هذا الطرف المأزوم الذي لا يستحي، كان يوزع الاتهامات في مراحل التستر على أفاعيله اليومية، لكنه أصبح في السنوات الأخيرة، يجاهر بحقائق وظيفته الأمنية، ويقول علناً أنه يخدم الأمن الإسرائيلي ويتعاون ضد من يحاولون التفكير أو التهيؤ للدفاع عن النفس. ومن المخازي أن هذه الجهة، قد أصبح لها تنظيرات، ولا يخجل المُنّظرون من جعلها عملاً تمليه المصالح الوطنية العليا، حتى لو نجم عنها، في يوم الثرثرة نفسه، مقتل فلذات الأكباد.
السؤال المكرر: ماذا يفعل هؤلاء اليوم، بالتزامن من محاولاتهم الاستحواذ على الرمزيات الفلسطينية وعلى المنظمة، وعلى شكل “الدولة” غير المنظورة، التي لا يريدون لها أكثر مما عليه الآن، لكي تظل مجرد افتراض يثير السخرية؟
ما يفعله هؤلاء اليوم، هو حملات أمنية على المجتمع الفلسطيني للقبض على من يفكرون في المقاومة أو يفكرون بالدفاع عن النفس، عند محاولات جيش الاحتلال قتلهم. فبعد تكريس فصل غزة عن الضفة، و”الاطمئنان” الى أن شبح غزة سيظل بعيدا وكذلك شبح وحدة الكيان الفلسطيني على أسس دستورية، وهو ما تخشاه الجماعة الأخرى التي تحكم في غزة؛ أصبح الشغل الشاغل لعباس وأجهزته الأمنية تصفية الشباب الفلسطينيين الذين يحملون السلاح دفاعاً عن النفس.
مع وصول عباس الى هزيعِهِ الأخير، لم تعد لديه صيغة لتأمين ظهره (وبالمعنى الموضوعي تأمين أولاده وحاشيته المقربة) سوى تعزيز القبضة الأمنية المتناغمة مع الاحتلال. فهذه وحدها هي التي يراها وصفة النجاة، ومن شأنها تعطيل أي سياق جديد، أو إقلاع جديد، بعد انتهاء مرحلة الرجل الكارثة، والبحث عن المقدرات واسترجاع ما سُلب من مال الشعب الفلسطيني، واستعادة العمل بالقانون والوثيقة الدستورية، أو العمل على إعادة توحيد الكيان الفلسطيني أو التأسيس لمرحلة تاريخية أخرى تفرضها حقائق الاحتلال وتغوله على الأرض.
ليس هناك معنى لمطاردة الشباب في الضفة، سوى المزيد من محاولات إقناع جيش العدو، بجدارة الذراع الأمنية، لكي يعتمدها سياسياً ويُمكّنها من الإمساك بمقاليد الأمور. لكن المحتلين يعلمون من خلال اتصالاتهم ومراكز دراساتهم، أن شعب فلسطين لن يُساس بهذه الطريقة، وأن اعتمادهم على ظاهرة الأمن الرديف، أو الجاسوس الرديف، من الجانب الفلسطيني ، لن يُنهي ظاهرة المقاومة، لأن المسألة مسألة احتلال ينطوي على كل سمات الفظاظة والإجرام، التي لازمت سلوك الإمبرياليات على مر التاريخ.
قصارى القول، لن يكون في وسع هذه السلطة من الناحية الأدبية، تسويق نفسها وإحراز شيء من الرضا الشعبي الذي هو شرط ممارسة الحكم. ففي هذا السياق الشائن، لن يستطيع الذين يطاردون الشباب، ىالمزاودة على قصاصي الأثر أو على العملاء كأشرف روبين الجعبري أو غيره.
أما الجواب عن سؤال: “ما الذي يفعله أمن عباس اليوم؟” فإنه يوفر عنصر إحراج إن لم يكن عنصر خزي، للانتهازيين الذين رددوا توصيفات عباس لخصومة، ولمن انتقدوه، ولمن طالبوه بالنزاهة، وثرثروا بلغته نفسها في التخوين وتأجيج الخصومة ودق الأسافين وتضييع البوصلة، وبكل ما أوصل الحال الفلسطينية الى ما هي عليه اليوم.