حسن عصفور
للحق جاهد الرئيس محمود عباس بكل ما خزنته سنوات عمره التي قاربت الـ84، أن يقدم صورة للشعب الفلسطيني ولغيره، تختلف كثيرا عن صورته المستكينة، المصابة برعشة غير مفهومة، في خطابه أمام الجامعة العربية، حيث بدأ في إسطنبول، مكان القمة الاسلامية الطارئة 13 ديسمبر 2017، وكأنه لجأ الى لغة الجسد والصوت المتحرك وفقا للضرورة البلاغية، لتقديم جانبا من عتب أقرب الى الغضب من “الخل الأمريكي” الذي خدعه، وضحك عليه طويلا، واستخدمه لكي لا تجد أمريكا ذاتها في مواجهة دولية خاسرة، عندما “خنع” عباس، باعترافه الصوتي – التمثيلي، بأنه لم يذهب الى المنظمات الدولية لإكتساب عضوية لدولة فلسطين إستجابة لطلب أمريكي..
بالتأكيد لو كان هناك مؤسسة وطنية لما تركت هذا الإعتراف يمر مرور الكرام، ولفتحت له “دفتر حساب سياسي” كونه قدم للأمريكان “هدايا” من حساب الشعب تفوق في فسادها السياسي “هدايا نتنياهو الشخصية”، لكن عباس “الثوري” فضح عباس” الخنوع” للإرادة الأمريكية، بما كشفه في الخطاب الذي قد يصبح جزءا من المكتبة الفنية الفلسطينية..
في مضمون الخطاب، وضع عباس جملة من النقاط التي أعادت إنتاج المواقف الرسمية الفلسطينية، والتي سبق أن اقرتها اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير منذ نهاية عام 2012، بعد قبول فلسطين عضوا مراقبا في الأمم المتحدة، وفقا لقرار 19/ 67 ( عباس للمرة الأولى منذ سنوات يتذكر القرار)، ثم قرارات المجلس المركزي في نهاية عام 2015، بل ربما جاء الخطاب أقل “ثورية” و”حسما” من تلك القرارات، لأنها كانت قاطعة في النص واللغة، بينما خطاب عباس “الإسطنبولي” بني على لغة الاحتمالات، “الممكن” وليس “القطعي”، في أي من الخطوات التي اشار اليها..!
مضمون الخطاب العباسي، مبني على لغة لو أن اسرائيل لم تفعل كذا سنقوم بمراجعة الاتفاقات كافة معها، بما فيها اتفاق أوسلو، ولنعتبر تلك المسألة المركزية التي يمكن للفرقة إياها، ان تحملها لترقص بها على أنغام تركية، أن الرئيس عباس “هدد” بمراجعة كل الاتفاقات، ولوح بأنه سيتخلى عن اتفاق أوسلو، وهذا من حيث اللغو صحيحا، لكنه بنى التهديد على “السلوك الإسرائيلي”..
وهنا نسأل، ما هو “السلوك الإسرائيلي” الذي يمكن أن يدفع عباس أن يقوم بذلك الإجراء، ما لم ير فيما هو قائم من جرائم حرب وسياسة وتهويد واستيطان وحصار “سلوك” يدفعه الى القول، “قررت إنهاء – تحديد كل ما كان من علاقات مع دولة اسرائيل، تنفيذا لأمر الشعب الفلسطيني الذي قررته مؤسساته الوطنية، وكنت قد جمدته استجابة لأمر أمريكي – اسرائيلي، واليوم أعلن إنتهاء مفعول ذلك الأمر”..
لما لم يحدد الرئيس محمود عباس أي خطوة فلسطينيية واحدة واضحة، يمكن أن يقال أنها تمثل ردا على “الجريمة السياسية”، التي تجاوزت مسالة اعتبار القدس عاصمة للكيان، بل أنه تطاول أكثر الى تعريفها بـ”دولة يهودية”، وهي المسألة التي تجهالها خطاب الرئيس “المسرحي جدا”، وكذلك إعلامه الخاص جدا..تجاهل كلي وكأن ترامب لم يقل أن اسرائيل هي “دولة يهودية”..
أي حديث يمكن أن يكون جادا ويهدد ويربك قوى العدو – الخصم، أو “الصديق” في العرف العباسي، عندما تغيب أي خطوة إجرائية واحدة، وكل ما قاله تعليق على مستقبل لم يعد واضحا..فالحديث عن التفكير بقيام “حكومة فلسطين بدلا من حكومة السلطة” لم يكن إجراءا حاسما، بل “إحتمالا مرهونا بسلوك نتنياهو”، وكأنه ينتظر قدرا غير الذي نعرف من مجرم غارق في ارتكاب الجرائم ضد الشعب الفلسطيني..
ربما ربح عباس بعضا من “التعاطف الآني” جراء “التلون الجسدي والصوتي” خلافا لما اعتاد، ومحاولته الميل على اللغة العربية ليبدو وكأنه “تمرد” على “السيد الأكبر”، لكن الحقيقة لن تطول كثيرا، وستزول آثار الحركة الاستعراضية سريعا جدا، إن لم تكن ذهبت مع انتهاء حركة البث، وعادت الصورة الى مشهد المواجهة الميدانية والجرائم ضد ابناء فلسطين، الرافضين ميداينا بأرجلهم وقلاعهم جريمة أمريكا وكيانها في اسرائيل..
غياب الحسم السياسي في الخطاب العباسي، يفتح الباب للسؤال عن ما هو مكمل لأي عمل، عن أدوات تنفيذ أي قرار أو خطوة أو فعل يمكن أو يرغب أو يفكر أن يقرره محمود عباس، هل يمكن لفلسطيني، أي فلسطيني، بما فيهم غالبية حركة فتح، أن يصدق الرئيس قولا، عندما يرى أن وفده لهذه القمة الطارئة بهذه التشكيلة التي تخلو من أي “دسم سياسي وطني”، تخلو من أي عضو لجنة تنفيذية أو قائد سياسي من غير “زمرة الرئيس الخاصة جدا والتي تضيق يوما بعد آخر”..
كيف يمكن أن يكون الرئيس عباس حقا باحثا عن “مواجهة شاملة” ومراجعة “جذرية” لمسار سياسي كامل، ووفده لا يضم اي تمثيل حقيقي وخاصة حركة حماس، الشريك السياسي الآخر في الحكم، رغم تنازلها “الورقي” في لقاء القاهرة التصالحي..يتم تعويضه بحركة سياسية واسعة يقودها اسماهيل هنية هاتفيا مع قادة عالميين، وكأنه “رئيس الظل الفلسطيني”!
سيادة الرئيس محمود عباس، كل ما بخطابك لا قيمة له، وأنت تعيش في “قوقعتك السياسية” خارج التمثيل الوطني والشعبي، فلا قيمة ولا مصداقية لأي كلمة تقال والمشهد الفلسطيني بهذا الحضور، انت غائب عن قطاع غزة، وقطاع غزة تحت حصارك المشترك مع الكيان، وأحد أعضاء وفدك للقمة الهامة يبحث كيف يمنح سلطة الكيان مزيدا من حصار أهل القطاع..
اللغة العربية جميلة، وبها وقع خاص، لكنه يذهب سريعا كالزبد الذي يذهب جفاء..
فلسطين القضية والشعب لا يبحث “خطابا تمثيليا” ولا صورة حركية، بل خطوات عملية تعيد الاعتبار لروح الشعب التي تم خنقها بفضل تنسيق أمني ثلاثي..يبحث خلاصا حقيقيا من رضوخ رئيس الشعب لأمر أمريكي منذ العام 2005 وحتى تاريخه لم ينتج سوى الكوارث والنكبات السياسية..ما هو ضرورة أعلان “الخلع السياسي” الحقيقي من “الهيمنة الأمريكية الاسرائيلية “على القرار الرئاسي..
سيادة الرئيس غيابك عن قطاع غزة حتى ساعته، خوفا من حماس ، وارتياحك مقابله لأمن الاحتلال هو العار الوطني بعينه..حماس قد لا تكون محبة لك ولكنها لن تكون أكثر غدرا من عدوك..لو كنت تبحث ردا وتصفع ترامب ونتنياهو إذهب الى مكانك في قطاع غزة ومنها إعلن رحلة التجديد السياسي الوطني..دونها كل ما تقوله لا يساوي في تاريخ الشعب قيمة لها ذاكرة!
ملاحظة: للمرة الأولى تتفق حماس ودولة الكيان أن أي تصعيد عسكري لن يخدم هذا أو ذاك..معادلة أمنية حساباتها سياسية..عفكرة هذه المعادلة وحدها تظهر كم أن عباس وحكومته خارج الحسابات العملية!
تنويه خاص: قرار القمة الاسلامية الطارئة اهدى ترامب ما كان ينتظر عندما قال ان القدس الشرقية هي عاصمة دولة فلسطين..طيب الغربية هيك بتصيرعاصمة لدولة اسرائيل..مين بيضحك على مين !