كتب عدلي صادق: في غزة، أعلن د. أسامة عبد الستار الفرا عن انطلاق عمل “اللجنة الوطنية للشراكة والتنمية” وأولى مهامها العمل على استكمال مشروع المصالحة المجتمعية، للإجهاز على بقايا ذيول الانقسام الفلسطيني.
للمرة الأولى، وبعد أن أرهق العنوان الرسمي الفلسطيني، أولئك الذين ينتظرون منه خطوة سديدة؛ أصبحت الفصائل على قناعة بأن تيار الإصلاح الديموقراطي لا يحمل مشروعاً إنقلابياً وإنما هو انعكاس طبيعي لمحاولة الانقلاب على الجزء الأعظم من حركة فتح بوسيلتي التهميش والإقصاء المباشر، والاستمرار في محاولات اخنق الحركة واختزال ما يسمى “القيادة” في مجموعة صغيرة من غير ذوي المناقب والمواهب، تقوم على الحال المزرية في الحركة وفي الساحة السياسية، وتعطل المبادرات وتجعل الشعب وقواه الفصائلية في انتظار غياب عباس، ثم كفى المؤمنين مشقة السعي الى شيء مفيد!
ينعقد العزم على أن تتطور مجالات الاستفادة من عون الأشقاء، لتتجاوز المصالحة المجتمعية وتذهب الى خطوات تنموية بما تيسر من المعونات العربية. فلا منطق ولا فلسفة في ترك ساحات الدول الشقيقة التي أبرمت اتفاقات تطبيع مع العدو، لكي يستفيد منها هذا العدو، بينما نكتفي نحن بشجب المشجوب. لا سيما وأن الزمن كفيل بإقناع المطبعين، بأن إسرائيل لا يُرجى منها خير، وهي دولة مكروهة على مستوى العالم، على الرُغم من أنف الولايات المتحدة.
في كلمته القصيرة، ركز د. الفرا على الشراكة الوطنية نقيض التفرد وغياب البعد الاجتماعي للسياسة، ونوّه الى أن المحاولة الأولى لإنجاز المصالحة المجتمعية، لم تلقَ تجاوباً من الفصائل، لكن الأمر اختلف هذه المرة، والتحقت الفصائل، بعد أن بات واضحاً أن تيار فتح الإصلاحي لا يناكف أي طرف، سواء كان عباس أو حماس أو غيرهما، لا سيما وأن الجميع أصبح في داخل المأزق، وليس هناك من علاج، سوى العمل ذو البُعد الاجتماعي، والحفاظ على الخطاب الوطني دونما أي تأثير سلبي عليه، أو أي انتقاص منه، بحكم معطيات الأمر الواقع وطُغيان حكومة المستوطنين وجرائمها.
إن كل المحاولات الفردية، فصائلية أو إغاثية، لا تستطيع التصدي لمشكلات المجتمع، والمأمول الآن هو ربط “المبادرة الوطنية للشراكة والتنمية” بالناس ومن خلالهم ولصالحهم بالسلطات القائمة، التي تظل ـ كما في الدنيا كلها ـ في حاجة الى مجتمعها المدني، للاسترشاد به بدل إرهاقه ولكسب ولائه بدل تعميق أزمته وخسارة ولائه. فالديكتاتورية في كل مكان، تحرص بحكم طبائعها على تدمير المجتمع الأهلي، وتفعيل الحلول الأمنية، لإفقاده القدرة على المبادرة، مع تحييد الخيار الشعبي!
ربما من المفيد توسيع نطاق العمل في مبادرة الشراكة في غزة، واجتراح آليات عدة، لجلب المساندة والعون، وتوثيق الصلة مع الميسورين الفلسطينيين، الذين لن يبخلوا بالمعونة إن ضمنوا النزاهة.
أوجز د. أسامة الفرا، في كلمة الإعلان عن إطلاق المبادرة، عازفاً عن استباق الأمور، وبقطع النظر عن علاقتي الشخصية به، فإن القاصي والداني يعرف أن الرجل، عندما تسلم بلدية خان يونس ومحافظتها، لم تمتد يده حتى لراتبه، إذ تحلى بالنزاهة وسمو الأخلاق، فكان أنموذجاً لشخص الرجل الذي يصلح للعمل العام، في ظروف وطنية ـ سياسية واجتماعية ـ بالغة الصعوبة والتعقيد!