كتب عدلي صادق: بدأت قضية فلسطين، واستمرت، وما زالت، وستبقى، قضية عمال وفلاحين في المقام الأول.
عمال وفلاحو فلسطين، هم الذين اكتووا، منذ البداية، بنار الظلم الاجتماعي والتهميش الطبقي وخطط الاستيلاء على الأرض، بتواطؤ كبار الملاك والطرابيش الخائنة، عربية وفلسطينية.
عمال وفلاحو فلسطين كانوا الأكثر وعياً لحجم المؤامرة الإمبريالية على بلادنا منذ مراحلها الأولى. الأولون وهم العمال، عبروا عن يقظتهم من خلال صحافتهم، والأخيرون ـ الفلاحين ـ عبروا بأهازيجهم وفنونهم الشعبية عن التصاقهم بالأرض، ما جعل الغزاة يفهمون أن لا حل لتحقيق مآربهم سوى الإرهاب المسلح، والاقتلاع بالقوة والترويع…
عمال فلسطين، انتظموا في حيفا ويافا والقدس وسائر المدن، وأصدروا الصحف المكتوبة بخط اليد، وصودرت المطبعة تلو الأخرى من قبل الإنجليز، دون أن ييأس قادة الحركة العمالية الفلسطينية. وفي تلك المراحل، اختلط الأمر الطبيعي بالأمر العجيب، كأن تبادر “مجلة حيفا” في يوم عبد العمال 1925 إلى إصدار عددها في الهواء الطلق، مثل النقل التلفزيوني الحي في هذه الأيام، اذ دعت جماهير العمل، الى شراء التذاكر لحضور “حفة حيّة، تتكلم فيها كلاماً وليس كتابة، في بستان الانشراح، حيث يقف الخطباء ويتحدثون في كل مواضيع عدد المجلة، بدءاً بالافتتاحية ثم الى ما بعدها، حتى إتمام محاور العدد، فيكون قد صدر عدد ناطق”. وخلصت “حيفا” الى القول “إن ريع العدد الناطق، سيُخصص الى جرحى وصابي دمشق في حادثة بلفور”.
حادثة بلفور نفسها واقعة عمال وفلاحين انتفضوا في القدس وحيفا ويافا في يوم وصول بلفور الى فلسطين في نهاية الأسبوع الأول من إبريل 1925 . اضطر القطب الاستعماري البريطاني، للمغادرة، عبر محطة قطار حيفا يوم 8 من الشهر، متجهاً الى دمشق، يرافقه عدد كبير من عناصر الاستخبارات البريطانية وعدد من الصحفيين. وحين دخل قطار بلفور إلى الأراضي السورية، كان أهالي القرى يقابلون عبور القطار بلافتات الاحتجاج، وبالشارات السود الفاحمة، وبالهتاف بعروبة فلسطين، الأمر الذي دفع حكومة الانتداب البريطاني الحقير، إلى إجراء اتصالات عاجلة مع سلطات الانتداب الفرنسية الحقيرة على سورية “لوضع خطة مشتركة لحماية اللورد بلفور في زيارته لدمشق.
عند هذه النقطة ـ والكلام ليس من عندنا ـ وإنما من جريدة “الأهرام” المصرية التي غطت الحدث فقالت:
(شعرت السلطات الفرنسية بالغليان يجتاح دمشق، بسبب زيارة بلفور، فقررت إنزاله في محطة القطار في القَدَم، وليس في محطة المدينة محطة الحجاز في “البرامكة” وهي محطة دمشق، حذراً مما قد يحدث … وشهدت دمشق تظاهرات غاضبة غصت بها الشوارع والساحات احتجاجا على الزيارة ثم اتجهت تلك الجموع نحو ساحة المرجة، وهنا تدخل رجال الشرطة في الأمر، ومنعوا المتظاهرين من عبور جسر بردى للوصول الى فندق فيكتوريا حيث يقيم بلفور، فاشتد هياج الشعب وهتافه، وحدث صدام وملاكمة وضرب بالعصي بين الأهالي والشرطة، وشرع البوليس يسوق كل من وقع بين يديه من الجمهور إلى دائرة الشرطة.)
ثم استطردت “الأهرام”: (في اليوم التالي حاول الجمهور المحتشد بعد صلاة الظهر، الوصول إلى فندق فيكتوريا، وقد تمكن الجمهور المحتشد من مهاجمة صفوف البوليس والدرك المحتشدة أمام وحول مبنى الفندق بشدة وبعنف، ومن الوصول إلى باب الفندق، إلا أن رجال الشرطة صدوا الجمهور عن دخول الفندق مراراً من دون جدوى، ثم اضطروا إلى إطلاق الرصاص في الفضاء. ونتيجة للمواجهات وصلت ثمانية أوتوموبيلات مدرعة لإعادة النظام إلى نصابه وسيطرت قوات الاحتلال الفرنسي على ساحة المرجة حيث عُقِدَ اجتماع مطول بعد ذلك بين المندوب السامي الفرنسي الجنرال ساراي ، واللورد بلفور البريطاني، حضره القنصل البريطاني في دمشق، وقد طلب الفرنسيون من اللورد بلفور في هذا الاجتماع، بأن يغادر دمشق على الفور وقاموا بتهريبه ليصل الى بيروت.
وادت المواجهات بين المتظاهرين وقوات الشرطة الى اصابة 50 متظاهرا بجروح واصابة عدد من افراد الشرطة.).
جماهير العمال والفلاحين كانت وما تزال وستبقى في الطليعة، على الرغم من حُلكة الظلام. فهؤلاء أصحاب قضية لن تموت ومن يعتقد باحتمالات موتها غبي ورعديد!