آخر الاخبار

كتب عدلي صادق: إشتراطات الإنقاذ والإغاثة

بقلم: عدلي صادق

نقلت وكالة سبوتنيك الروسية، عن صحيفة “هآرتس”؛ أن إسرائيل تبذل جهداً لدى الأمريكيين، لكي يضغطوا على أوروبا والعرب، لاستئناف أو زيادة الدعم للسلطة الفلسطينية. وكانت “هآرتس” نفسها، قد نقلت عمن تسميها “مصادر مطلعة” أن وزير الجيش الإسرائيلي بيني غانتس مارس ضغوطاً بهدف حشد “المجتمع” الدولي “للإنضمام إلى إسرائيل، لتقوية السلطة الفلسطينية، خوفاً من انهيارها، وذلك في محاولة لمنع حدوث تدهور أمني في الضفة لاحقاً” حسب قول الصحيفة!
وفي التفاصيل ذكرت “هآرتس” أن “زوهِر بلوت” رئيس الشعبة الأمنية والسياسية في وزارة الجيش؛ “عمل بنفسه لدى الإدارة الأمريكية للضغط على الدول المانحة قبل اجتماعها غداً الأربعاء، لاستئناف ضخ الأموال للسلطة الفلسطينية من أجل دعم مشروعات إقتصادية عدة”!
يصح أن نتأمل هذه الحال التي أوصلتنا اليها الأوساط الفلسطينية الحاكمة، بينما هي ما تزال تمتطي موجة الكلام العريض. فالمعنيون بــ “الجهد” الإسرائيلي لإغاثة السلطة، هم المتطرفون الذين لا يتقبلون حرفاً من السياسة، حتى ولو اقتصر هذا الكلام على محض التوسل للعودة الى المفاوضات. فهؤلاء، لا يعترفون للشعب الفلسطيني باي حقوق في وطنه، وإن كانوا يتحدثون اليوم عن تأمين الدعم للسلطة. فالشعب والقضية والحقوق عندهم شيء، والسلطة شيءٌ آخر. ومعنى ذلك أنهم يعتبرون سلطة الرئيس عباس، كياناً ذا وظيفة أمنية وحسب. وليت الأمر يقف عند هذه النقطة. فعندما يتحدث “زوهر بلوت” عن دعم ينبغي أن يكون متصلاً بمشاريع إقتصادية، نفهم أن إسرائيل قد أضمرت أمراً آخر، وتتدرج في الوصول اليه، وهو أن يصبح الدعم الأمريكي والأوروبي والعربي، محدد الوجهة وخاضعاً للرقابة، وتصبح ظاهرة الفساد تحت مخرطة الملوخية، لأن الدعم ستتبعه عيون المانحين وآذانهم، للتأكد من ضمان قيام المشروعات ومن حُسن السير والسلوك، لأن من يدفعون ليسوا حريصون على معرفة مآلات أموالهم. عندئذٍ يمكن أن تتولى إسرائيل الرقابة على الإدارة المالية الفلسطينية، طالما أنها ساعدت على جلب المال. فإنقاذ السلطة لن يكون بالضخ وحده، وإنما بالمزيد من الإشتراطات، لكي لا يتبخر المال هباءً من ثقوب مواسير البذخ السلطوي.
عندئذٍ نكون بصدد وضع عجيب لم تنزلق اليه قيادة شعب مظلوم ينشد الإستقلال على مر التاريخ، فيصبح العدو هو الحاني والحامي، والمُتحسب الخائف من إنهيار سلطة الشعب الرازح تحت الإحتلال الغاشم. والأعجب، أن الناطقين بلسان رئيس السلطة، يسارعون دون تفكير، الى وصف المال الإغاثي، الذي يصل إلى غزة، بلا أية متطلبات أو شروط على المستفيدين، لتغطية أكلاف قسائم الطعام أو الطبابة أو غيرها، بأنه مال سياسي، ويذمونه ويعتبرونه خبيثاً، كأنما المال المشروط بالوظيفة الأمنية، هو الحميد النقي، الذي لا يأتيه الباطل من يمين أو شمال!
من خارج خط السجال، يٌستعاد القول بأن أولئك الذين حرموا الشعب الفلسطيني من كيان سياسي موحد، ومن منهجية إقتصادية وطنية، ومن حق هذا الشعب في الرقابة على الأداء المالي وعلى كيفية التصرف بالمقدرات المتاحة؛ هم أنفسهم الذين أتاحوا لدولة الإحتلال، أن تتمثل دور المُغيث والمثابر على استمرار الإغاثة لتحسين أحوال الضحايا!
كثيرة هي المعاني الضمنية في النبأ الذي نشرته الوكالة الروسية. ولعل بين هذه المعاني، أن السلطة التي يريد المحتل إنقاذها، باتت بلا أية حيثيات سياسية، وأن كلامها الذي يردد لمفردات القديمة المإلوفة في خطاب منظمة التحرير، ليس عند إسرائيل أكثر من زن الناموس، والدليل على ذلك أن السلطتين، تلك التي يُراد إنقاذها، والأخرى التي تدبرت أحوالها باعتصار المجتمع، ما زالتا تحافظان على الإنقسام، وليس لديهما أية خطط إجتماعية ـ إقتصادية شاملة، ولا تريدان مؤسسات دستورية، وتُصرُّ كلٌ منهما على أن تظل ممتصة صدقات أو جلابة أموال إغاثة أو أموال جبائية، وممنوع على الشعب الفلسطيني أن يتوسع في الإنتاج، إذ يتضافر العامل الذاتي السلطوي الفلسطيني، مع العامل الإحتلالي الموضوعي. ففي الضفة، لا تقوم مشروعات آمنة على رساميلها، بغير مشاركة أهل السلطة، وفي غزة تُواجه المشروعات الخاصة، كل التدابير الهادفة الى إفشالها، لصالح أهل السلطة. والسبب الرئيس في ذلك أننا بلا نظام موحد، له مؤسساته الضامنة لحقوق المجتمع، ولإطلاق عملية نهوض إقتصادي ذات بُعد إجتماعي شامل، يكفي سلطة النظام الموحد، شرور واشتراطات المال الإغاثي!

أخبار ذات صلة