آخر الاخبار

لعبة الكلام في الحرب

كتب: عدلي صادق:

في “خطاب حالة الاتحاد” السنوي، الذي ألقاه الرئيس الأمريكي جو بايدن أمس، أمام جلسة مشتركة لمجلسي النواب والشيوخ في الكونغريس؛ كانت أكثر الكلمات تكراراً واستخداماً في وصف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، هي الدكتاتورية والدكتاتور وأصدقاؤه من الأوليغارشية، علماً بأن استخدام هذا الوصف الأخير، يكاد يكون حكراً على الأمريكيين، أو مخصصاً حصراً، لدور طبقة المتمولين وبارونات السوق العقارية والصناعات العسكرية، في الولايات المتحدة الأمريكية، فهؤلاء الأوليغارشيين، هم الذين يحسمون نتائج الانتخابات الحزبية والرئاسية، ويؤثرون في سياسات الحكم.

هنا، يتوجب التذكير أيضاً، بأن الغرب وليس غيره، هو ملعب كل الذين وصلوا إلى فحشاء الثراء من كل بلد فقير، فاستحقوا وصف الأوليغارشية. ومن بين هؤلاء الكُثر، الروسيان رومان أبراموفيتش، صاحب نادي تشيلسي البريطاني لكرة القدم، و الكسندر ليبيـديف، المصرفي والضابط السابق في المخابرات السوفيتية، الذي امتلك ابنه يفغيني، صحيفة “إيفنينغ ستاندرد” اللندنية، ثم منحه البريطانيون أنفسهم عضوية مجلس اللوردات!

الغرب عموماً، والأمريكيون بشكل خاص، في كل ردود أفعالهم على الحرب في أوكرانيا؛ يقولون كلاماً يؤكد على ريائهم وعلى كونهم غارقين في معاني شائنة يصفون بها الرئيس الروسي، وهي تنطبق عليهم. وفي الحقيقة، كانت المطولات الهجائية في ردود أفعال الغرب، ستلقى احتراماً لدى الشعوب الفقيرة والمظلومة، لو أن الغرب كان منصفاً وديمقراطياً حقاً وشفيفاً في مشاعره حيال المظلومين والضحايا في أنحاء “جنوب العالم” وفي القارات المثقلة بمشكلاتها.

يمكن أن يُسأل الرئيس بايدن عن إسرائيل، وما إذا كانت ديمقراطية حقاً، بينما هي التي تصنع وتدفع مجموعات من المتطرفين المسلحين، الذين يهجمون في كل يوم، على شعبٍ أعزل، بشفاعة أساطيرهم واستقواءً بجيش دولة تزعم أنها ديمقراطية. فأمريكا ودول الاستعمار القديم، تعرف أن الديمقراطيات الصحيحة، لا تصنع ولا تدعم جيوشاً ظلامية أصولية رديفة تماس حقدها الآخر، أو من أصحاب الأرض، كما في فلسطين، وتقتل من الآمنين، أضعاف عدد الضحايا من الجانبين ـ حتى الآن ـ في الحملة الروسية على أوكرانيا.

فإن كان الرئيس الأمريكي يرى أن للرئيس بوتين أصدقاء أوليغارشيين؛ يصح تذكيره بأن الأوليغارشيين الأوكران هم الذين اخترعوا شكل النظام السياسي في أوكرانيا، وهم الذين يريدون الحفاظ على نظام يعتمد نعرة شعوبية، وتؤجج الفتن لكي يربح السيطرة، وليس هذا كلام من عندنا. فلم يُقصّر “المعهد الأوكراني لدراسات المستقبل UIF وهو مؤسسة مستقلة مقرها العاصمة كييف؛ في التحذير من التأثير السلبي العميق للأوليغارشية الأوكرانية على المجتمع والصناعة والسياسة، ومن تأثيرها السلبي على التنمية في البلاد والتسبب في تعثر بُعدها الاجتماعي، الذي يؤمن مصالح الطبقات المتوسطة والفقيرة!

كان معهد “دراسات المستقبل” الأوكراني، يقرع الجرس، ويقول إن “الأوليغارشية القديمة” في البلاد، تنامت وانتعشت تحت رئاسة ليونيد كوتشما، بعد انهيار الاتحاد السوفيتي في التسعينيات، وقد حصلت على معظم أصولها وأملاكها عبر التواطؤ مع المسؤولين، وعبر الخصخصة بصورة تعوزها الشفافية، وهذا الذي جعل السيطرة على النظام السياسي، هدفاً محورياً للشريحة الأوليغارشية صاحبة المصالح في أوكرانيا.

ربما تكون حيثيات النظام في أوكرانيا، سبباً رئيساً في عدم استيعاب الأوروبيين لفكرة ضم أوكرانيا على مر عقدين. لكن الأوروبيين أنفسهم، وبتشجيع أمريكي، ظلوا يفضلون أسبقية ضم كييف إلى حلف شمال الأطلسي، على ضمها إلى الاتحاد الأوروبي. ولما تدخل العامل الروسي بمصالحه ومحاذيره الأمنية، لكي يمنع الضم إلى “الناتو”، سرعان ما تحولت أوكرانيا في لغة الغرب، إلى بلد ديمقراطي تحاول افتراسه ديكتاتورية روسية أوليغارشية!

هنا، يحق التساؤل عن علاقة الأوليغارشية بـ “الديمقراطية”. فإن كانت الأولى كريهة وعدوانية، فلماذا يسمح لها الغرب بابتلاع مؤسسات وعقارات كبرى، وتأسيس مصالح لها في الغرب الديمقراطي؟ ولماذا تُمنح رموزها عضويات في مجالس المؤسسات الدستورية العريقة؟ وإن كانت الثانية، وهي الديمقراطية الغربية، تستهدي فعلاً وحقاً بمبادئ حقوق الإنسان والعدالة وسيادة الدول، ولا تتقبل الأصوليات الظلامية وعناصرها المسلحة؛ فلماذا تُصادق من يواليها من الديكتاتوريات العاتية، وتصمت عشرات السنين عن انتهاكات حقوق الإنسان في العالم وعن مظلوميات شعوب سمراء وصفراء، وعن حملات همجية لأصولية يهودية معتوهة، تحاول اقتلاع شعب من أرضه، مع أشجار الزيتون المُعمّرة التي غرسها الآباء والأجداد القٌدامى؟

هناك إشارات لا تزال ضعيفة، لكن مدلولها يستحق التأمل. فقد أعلنت الحكومة الأوكرانية عن فتح باب إلتحاق الأجانب بتشكيلات الدفاع عن أراضيها، وعن تشكيل فيلق لهم. ولو كان القصد هو فتح الباب لمتطوعين أوروبيين، لما كانت كانت هناك حاجة الى الإعلان. فربما تكون داعش ومثيلاتها مؤهله للاستجابة، لأنها في الأصل أدوات أوليغارشية، موّلتها أوليغارشيات أمنية واقتصادية فاسدة. لا سيما وأن “النُصرة” في سوريا كانت لها مع إسرائيل علاقة تعاون وثقى.

ليس بمقدور أحد، إنكار مشاعر اللامبالاة خارج الغرب، حيال التشكي من الحملة الروسية، أو على الأقل التنبه الى ازدواجية المعايير لدى الأمريكيين ودول الاستعمار القديم. فكل ما تأمله الشعوب، هو أن يتعظ الغرب ويتعلم الدرس.

أخبار ذات صلة