آخر الاخبار

لن تسقط الراية

كتب: محمد الأشقر:

جاء المشروع الوطني الفلسطيني كنقيض حتمي للاحتلال، ليغرس بذرة الأمل لجموع الفلسطينيين الذين أرهقتهم الويلات المتتابعة، فما أن سقط النفوذ التركي عن الدول العربية ومنها فلسطين التاريخية على يد الحلفاء بالحرب العالمية الأولى، حتى دخلت البلاد في شكل جديد من الاحتلال سُمي زوراً “الانتدات”، والذي كان في ظاهره يسعى لتهيئة الشعوب لحكم نفسها بنفسها،ويخفي مهمته الرئيسية التي جاء من اجلها وهي العمل على تسليم البلاد للحركة الصهيونية تنفيذاً لوعد بلفور “1917”، هذا الوعد الذي أرادت به بريطانيا طمس هوية شعبٍ بأكمله، شعبٌ خاض ثورات وثورات، أُرهق وأرهق، لكنه لم يأخذ الدنية في وطنه.
لم يفلح الانتداب بشكله المؤسساتي أن ينزع الفلسطينيين من أرضهم فكان لا بد من نقل المهمة إلى عصابات لا أصل لها ولا دولة ولا حدود لمطامعها وجرائمها، فشرعت العصابات الصهيونية من فورها بعد تسلمها البلاد من القوات البريطانية، بارتكاب أبشع المجازر التي عرفها التاريخ  بحق شعب ٍ أعزل.

هُوجمت القرى الآمنة وقُتل وشُرد الالاف من ديارهم، فكانت النكبة التي خلفت انكساراً عميقاً في النفس العربية، لكنها لم تكسر الفلسطينيين، فبدأت الحركات السياسية المشتقة من الأيدولوجيات المجاورة  بالتموضع في المجتمع الفلسطيني، لكنها لم تكن ذات تأثير شعبي إلى أن جاءت حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح في منتصف الخمسينيات، كأول حركة وطنية فلسطينية خالصة لا هم لها سوى تحرير فلسطين بكل الوسائل المشروعة، العسكرية منها والسياسية، من هنا بدأت ملامح المشروع الوطني الفلسطيني بالتكوين وبدأ شكل الدولة الفلسطينية يتشكل في وعي المواطن الفلسطيني والعربي والذي رأى في فتح أملاً مشرقاً للتحرير والعودة، خصوصاً أن حركة فتح شرّعت أبوابها لكل احرار العالم دون أن تقيدها أيديولوجيا أو عرق أو مذهب.

بدأت الثورة الفلسطينية المعاصرة بالإعلان عن نفسها في مطلع العام 1965م وبدأت الطوابير الباحثة عن المؤونة والغذاء تتحول إلى أرتال عسكرية تدك مستعمرات المحتل بحممها الغاضبة، وتقتحم حصونه وتشعل الارض تحت اقدام الغاصبين، معارك دامية خاضتها فتح من أجل الحفاظ على الهوية، فلفتت أنظار العالم إلى القضية الفلسطينية، هذا العالم الذي خدعته الماكنة الإعلامية الصهيونية، والتي قلبت له الحقائق فحولت الضحية إلى جلاد.

لم تترك الثورة الفلسطينية طريقاً أو ميداناً لتحرير فلسطين إلا وسلكته،بدءًا من عمليات التسلل إى داخل الأراضي المحتلة وضرب قواعد العدو مروراً بصمود مخيمات الشتات في لبنان التي سطرت أروع ملاحم الإقدام والتحدي أمام اليات الحرب الصهيونية، وكذلك أشبال الار بي جي، والذين كبدوا العدو خسائر جسيمة لم يكن يتوقعه، ولاننسى أبطال الحجارة الذين أضافوا إلى قاموس اللغة مصطلح الانتفاضة، التي كان لها الدور الكبير في تحويل دفة الرأي العام العالمي لصالح أصحاب الحق، فكانت اتفاقات أوسلو، والتي من المفترض لها أن تؤسس للدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، لكن الاحتلال لم يكن جدياً في هذا الامر فقد كان يسعى لكسب الوقت فقط  من خلال مفاوضات مضنية، وبعد أن أصبح واضحاً للعيان أن دولة الاحتلال تتراجع عن كل الاتفاقات، جاء اقتحام شارون للمسجد الاقصى كقنبلة موقوتة أنفجرت لتشعل الانتفاضة الثانية عام 2000م، فكانت فتح أول المتقدمين وآخر المنسحبين.
سطرت فتح أروع صور الإقدام والعنفوان فكانت عملياتها العسكرية داخل الكيان تهز أرجائه، فكان أشباح الفتح في كل مكان يضربون كل مقتل للعدو، أدرك العدو أن فتح هي صاحبة المبادرة، وأنه لن تفلح مخططاته ، إلا بالقضاء عليها، ففتح ربة البيت وراعية المسؤولية، وحامية المشروع الوطني الذي رسمته منذ انطلاقتها كهدف وحيد تسعى لتحقيقه.

أحداث جسام طغت على المشهد الفلسطيني، استشهد ياسر عرفات، في ظل صمت عربي وعالميا مهين، وانتخب محمود عباس رئيساً للسلطة الوطنية الفلسطينية، انسحبت قوات الاحتلال بشكل أحادي الجانب من قطاع غزة، انسحاباً كان الهدف منه بعثرة الأوراق الفلسطينية، وما زاد الطين بلة، إصرار عباس على إجراء الانتخابات العامة رغم كل المحاذير الفلسطينية والعربية من مغبة نتائجها دون الاتفاق على برنامج سياسي يلزم الكل الفلسطيني، فازت حركة حماس بالانتخابات التشريعية، وكلفها الرئيس عباس بتشكيل حكومتها رغم كل تناقضاتها مع برنامج منظمة التحرير والتي لم تعترف به حركة حماس، فكان الانقلاب العسكري الذي نفذته حركة حماس منتصف العام 2007 سيطرت من خلاله على قطاع غزة ،فجسدت الانفصال التام عن الضفة الفلسطينية المحتلة، انفصالا سياسياً وجغرافياً واجتماعياً تركت على اثره ندوباً عميقة في جسد المشروع الوطني الفلسطيني وكاد أن يندثر تحت مطامع فئوية وحزبية مقيتة.

تُرك الفلسطينيون في قطاع غزة في مهب الريح، فقيادة السلطة تخلت عن كل مسؤولياتها تجاه هذا القطاع المكلوم، بل إنها ذهبت أبعد من ذلك، بأن فرضت العقوبات على الغزيين، وبالأخص الفتحاويين منهم، فأقصت القيادات الفتحاوية المؤثرة  والتي تشكل خطراُ على المصالح  الخاصة لقيادة السلطة، فكان للأحرار من فتح كلمتهم الفاصلة بأن فتح منا ونحن منها، فجاء تيار الاصلاح الديمقراطي داخل حركة فتح يحمل على عاتقه تصويب البوصلة الفتحاوية والوطنية والسعي للوصول إلى قواسم مشتركة يجتمع الكل الفلسطيني عليها لتحقيق حلمهم برؤية مشروع الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس  يتحقق من جديد بقيادة الرائدة فتح، وما زال هذا السعي مستمراً بسواعد الرجال الذين لن يثني عزمهم أحد، فتراهم في كل الأزقة والشوارع، يرفعون الهمم ويُضمدون الجراح، يعيدوا لفتح منهجها الذي حاد عنه أصحاب المطامع،  فكان نن شهد لهم الخصوم قبل الاصدقاء، فهم آمنوا أنه إذا صلحت فتح؛  صلحت القضية الفلسطينية.

أخبار ذات صلة