من نحن

تيار الإصلاح الديمقراطي في حركة فتح

تيار الإصلاح الديمقراطي في حركة فتح، لم يكن فكرة وليدة الصدفة، أو ردة فعلٍ على سلوكياتٍ تنظيمية أو خلافاتٍ شخصية، وإنما هو نتاج حراكٍ طويلٍ ومسيرةٍ شاقةٍ من محاولات تصويب المسار واستنهاض الواقع الفتحاوي المتردّي، بفعل انحرافاتٍ سياسيةٍ وتنظيميةٍ على كل المستويات، طالت أطر حركة فتح ومؤسساتها وبرنامجها السياسي وهياكلها التنظيمية وعلاقتها بالجمهور الفلسطيني.
حركة فتح ومنذ بداياتها الأولى شهدت تشكّل تياراتٍ فكريةٍ داخلها، وكان المُناخ التنظيمي يسمح بهذه التباينات التي مثّلت تنوعًا يُحسب لفتح، ورصيدًا عزز دورها ومكانتها في قلب المشهد الفلسطيني، باعتبارها طليعة شعبنا في معركة التحرير، وكان القانون الذي احتكم له الفتحاويون على الدوام هو قانون المحبة الذي أرسى دعائمه الرمز المؤسس ياسر عرفات.
بدأ كل شيء مع تولي محمود عباس رئاسة السلطة الفلسطينية ورئاسة حركة فتح، بعد ظروفٍ استثنائيةٍ مرت بالقضية الفلسطينية، بدءًا بحصار الشهيد ياسر عرفات في مقر المقاطعة برام الله، مرورًا باستشهاده، وانتهاءً بإصرار عباس على إجراء انتخابات البلديات عام 2005، حيث مُنيت فتح بخسارةٍ مدوّية، ثم تمترس خلف قراره إجراء الانتخابات التشريعية عام 2006، وهي انتخابات تسبب بخسارةٍ فادحةٍ لقائمة حركة فتح، ثم تخبّطه في شكل وطبيعة العلاقة بينه وبين الحكومة العاشرة، وصولًا إلى أحداث الانقسام التي أفقدت فتح حضورها في قطاع غزة.
شكّل محمود عباس بعد وقوع الانقسام عدة لجانٍ للتحقيق في الأحداث، بهدف تبرئة نفسه من المسؤولية عن كل ما حدث، باعتباره صاحب القرار الأول، وبتوجيه أصبع الاتهام إلى شخصياتٍ فتحاويةٍ قياديةٍ وتحظى بحضورٍ شعبي وجماهيري، أبرزها الأخ محمد دحلان (أبو فادي) العضو المنتخب في المجلس التشريعي الفلسطيني، والقيادي الفتحاوي الذي يملك الجرأة والشجاعة لمواجهة كل سلوكٍ سياسيٍ أو تنظيميٍ خاطئ.
لم تنجح خطوة عباس في محاولة إدانة النائب دحلان من خلال لجان التحقيق التي شكّلها، وانتهى الأمر بهذه اللجان إلى التهامس بأنها إن كانت ستدين أحدًا، فإن أول شخصٍ ينبغي إدانته هو محمود عباس نفسه، باعتباره المسؤول الأول عن القرار السياسي والتنظيمي لحظة وقوع الانقسام.
اشتد عودُ تيار الإصلاح الديموقراطي داخل حركة فتح، وظلت قلوب الفتحاويين تهفو إلى تحقيق أهدافه في تفعيل النظام وإعلاء شأن العضوية وتكريس العدالة والروح النضالية، وكان الصامتون في الضفة وغزة أضعاف الذين يجاهرون بالموقف المؤيد لأهداف التيار الإصلاحي.
استجاب محمد دحلان ورفيق دربه سمير المشهراوي لعدة محاولاتٍ للمصالحة الفتحاوية، ولم يضعا شرطاً واحداً على إتمامها، في مقابل ذلك منح أبو مازن وعداً لجميع الوسطاء بالتعاطي مع جهودهم، وكان في كل مرة يعود إلى رام الله ولا يرجع، وبعد محاولة وساطةٍ قام الشيخ محمد بن زايد التزم عباس بالعودة إلى أبو ظبي بعد ترتيب مسألة إنهاء الخلاف، لكنه عاد إلى رام الله واتخذ قرار الفصل بحق محمد دحلان، واندلعت على إثر ذلك أزمة علاقته مع دولة الإمارات.
بدأ محمد دحلان في العام 2012 مساراً للشراكة السياسية، يمر عبر بوابة إسناد قطاع غزة والضفة الغربية والقدس ومخيمات لبنان، بما يتوفر عليه من مساعدات، وأنشئت اللجنة الوطنية الإسلامية للتنمية والتكافل الاجتماعي (تكافل) في ضوء تفاهماتٍ مع نواب حركة حماس في المجلس التشريعي.
في العام 2014 خرج فتحاويو غزة عن صمتهم، واجتمعوا (1000 شخص تقريباً) في مركز رشاد الشوا الثقافي، وأطلقوا الشعار الشهير “غزة إلى أين؟”، ويقصدون بها أن مصير غزة إلى أين في ظل إجراءات عباس بحق أهلها وفتحاوييها، و رد أبو مازن بقطع رواتب المئات من أبناء الحركة الذين شاركوا في التجمع داخل مركز الشوا.
في العام 2015 (أي بعد عامٍ واحد) تجمع نحو 7000 فتحاوي في ساحة الجندي المجهول وسط مدينة غزة، وأطلقوا نداء وحدة حركة فتح، وكانت الإجابة من رام الله بقطع المزيد من الرواتب، فأعلنوا بوضوح انخراطهم في صفوف تيار الإصلاح الديمقراطي في حركة فتح بقيادة دحلان.
وفي العام 2016 اجتمع نحو 14000 ألف فتحاوي في ساحة المجلس التشريعي ومحيطها، منددين بإجراءات عباس القاضية بمحاكمة محمد دحلان بتهمٍ باطلة، ونيته فصل دحلان من عضوية المجلس التشريعي، وأهم ما في تلك الفترة هو ظهور محمد دحلان العلني موضحاً ملابسات كل ما حصل معه، ومعتذراً للشعب الفلسطيني بكل جرأة وشجاعة عن أية أخطاء وقع فيها خلال مسيرته في العمل العام.
وفي نهاية العام 2016 بدأت مساعي محمد دحلان لتصويب علاقة حركة حماس بالأشقاء في جمهورية مصر العربية، وانطلقت سلسلة مؤتمرات ولقاءات “العين السخنة”، وبعدها بدأت اتصالات على أعلى مستوى بين الطرفين قادت إلى تفاهمات مصرية – فلسطينية (حماس) بشأن الترتيبات الأمنية على الحدود وغيرها من القضايا، واستشاطت المقاطعة غضباً.
وبدأت حملة تحريض على حركة حماس لدى الأخوة في مصر، لكن القاهرة لم تستجب لهذه النكايات، والتزمت بمواصلة التعاون مع حركة حماس بما يحقق مصالح مصر ومصالح الأهل في قطاع غزة.
أطلق محمد دحلان مبادرة الانقاذ الوطني في السابع من يناير عام 2017، وحدد مسعاه بضرورة تحقيق الوحدة الوطنية وبناء الشراكة وإصلاح المنظمة وتنظيم الانتخابات العامة والاتفاق على برنامج وطني جامع يمثل الحد الأدنى من تطلعات شعبنا نحو الحرية والاستقلال.
وفي فبراير من عام 2017 انعقد مؤتمر الشباب في القاهرة، الذي أعلن فيه دحلان والمشهراوي عن شراكتهما مع الشباب الفلسطيني والفتحاوي لاستنهاض الحالة الوطنية، وتكريس منهج تدافع الأجيال، واستعادة قوة الفعل اللازم لتحقيق الإصلاح المنشود في الحالة الوطنية.
بدأ تيار الإصلاح الديمقراطي يؤدي مهامه علانية في قطاع غزة، بموجب التفاهمات التي توصل إليها مع حركة حماس، بعد لقائها الأول مع دحلان ورفاقه في منتصف العام 2017، ثم باشرت لجنة (تكافل) عملها الاغاثي بقوة دفعٍ كبيرة، وانطلق مسار المصالحة المجتمعية الذي تم فيه جبر الضرر عن أسر شهداء الانقسام، وما زال هذا المسار متواصلاً حتى يومنا هذا.
أصدر التيار بيانه السياسي في 13 يناير عام 2019 ، وقال فيه أنه يسعى إلى شراكةٍ سياسيةٍ كاملةٍ مع القوى الوطنية والإسلامية، وعلى رأسها حركتي حماس والجهاد الإسلامي، وبادر إلى الدعوة لحوار وطني عميق ومقرِّر على مستوى الأمناء العامين للفصائل، لبناء استراتيجية فلسطينية وحدوية، وأكد فيه على أن أوسلو بالتزاماتها قد انتهت، وأنه ينبغي البحث وطنياً عن كيانية وترتيبات عمل كفاحي تتجاوز سقف أوسلو والتزاماته، ووقف كل ما يترتب على هذه الاتفاقية من التزامات أمنية واقتصادية.
و في نهاية العام 2021 نظم تيار الإصلاح الديمقراطي في حركة فتح مؤتمره الأول، وجرى انتخاب مجلسٍ لساحة غزة قوامه 64 عضوًا يمثلون مختلف الشرائح، وبنسبة تمثيلٍ للمرأة الفتحاوية بلغت 30% من أعضاء المؤتمر، وجرى لاحقًا انتخاب قيادة الساحة، بما يؤسس لحقبةٍ من الدمقراطية والعمل المؤسسي، ويجعل من فكرة الإصلاح الديمقراطي سلوكًا ومنهجًا في العمل التنظيمي، وصولًا إلى استعادة حركة فتح واستنهاض المشروع الوطني.