كتب: عدلي صادق:
مر سبعة عشر عاماً، منذ أن تسلم عباس الرئاسة، في ظروف لم يكن لنا فيها خيارات أخرى على مستوى رئاسة السلطة؛ ونحن بصدد أرجوحة سخيفة من الانعقادات الشكلية تحت عنوان منظمة التحرير الفلسطينية. ففي كل مرة، وقبل كل انعقاد، يجري الحديث عن النِصاب والمشروعية والإطار السياسي المصون الذي لا يُدركه انقسام ولا تصدع، وعن تعارضات متاحة أثناء الانعقاد ورأيٌ يُسمع!
مع التكرار، تأكد للقاصي والداني، أن الفلسطينيين باتوا أمام صيغة للتحايل مُفتضحة وهدفها التغطية على ركام المفاسد. فمن يدعو الى كل انعقاد، وهو عباس نفسه التي يتهيأ لبرهة من الوقت، لأن يتقبل بعض عبارات الرأي الآخر، في الجلسات، مطمئناً الى أن أصحاب هذه العبارات يقولون ما شاءوا وهو يفعل ما يشاء، دونما اكتراث لأية كصيبة أو أي أعوجاج، ودون آلية واحدة لوقف سياق فيه عوار. وفي الأثناء، يتطوع مدمنو فتات السلطة، بالحديث عن صلابة موقف “المؤسسة” التي ليس فيها شيءٌ من عناصر التأسيس، مثلما فعل عزام الأحمد عندما قال إن مقاطعة أي إنعقاد لا يؤثر على ما سمّاه “شرعية القرارات”.
وقبل كل انعقاد، يجري تطيير وصفة كاملة من عناوين الدواء المسموم الذي يزعمون أنه يعالج الداء، بينما هو وصفة للاندثار والموت، فيقولون: لقد جرى التحضير بشكل جيد، وتقرر جدول الأعمال وأجندته، وفق قوانين المنظمة، وهناك “لجنة أعدت ورقة ودرست الكثير من القضايا بينها الصندوق القومي الفلسطيني”. ويتمثل عزام في ثرثرته، حال الفهم السياسي وثقافة الدولة:”لدينا مشكلة وهي تغول السلطة على المنظمة، ولكن واجهتنا عقبات التنفيذ بكيفية إنهاء هذا التغول، وسنعيد طرح الأمر”. وفي الحقيقة يُستفز كل من يدقق في هذه العبارات الفاقدة لأي معنى مفيد. فهي تنم عن محاولة استهبال وتشاطر، لأن الرجل يتحدث عن تغوّل طيف على نفسه، لكنه لا يدري كيف يتوصل الى “كيفية إنهاء هذا التغول” الذي لم يتسبب فيه أحد سوى الثرثارين أنفسهم”.
فهؤلاء لا يتركون الأمر للمداولات أثناء الانعقاد، وإنما يقررون كمن يجيئون على أنفسهم بكل تواضع، بأن هناك عقبة، يمكن طرح أمرها، مع التلميح الى فكرة عجز ضيوف المجلس، عن اجتراح الحل!
كلام سخيف، يؤتى فيه استطراداً على ذكر حماس، فيُقال إن لها “أعضاء في المجلس الوطني بصفتهم أعضاء وليسوا ممثلين عن الحركة”. ولا نعلم ماذا نستنتج، إن كان هؤلاء يقولون إن الجبهة الشعبية هي الغائبة، بمعنى أن حماس وحركة الجهاد، مخصومتان من المشهد، بقرار من مدمني السلطة، ولا يُعدوا غائبين، وإنما حمولة فائضة لا تلزم منظمة عباس!
الأطرف، هو القول إن رئيس السلطة، سوف يلقي خطاباً يصفه هؤلاء بأنه هام قبل أن يُسمع ويراه الناس مهماً (وسيكون الخطاب في الحقيقة هاماً وليس مهماً، بجريرة الخطأ اللغوي الشائع في مثل هذه التعبيرات. فالأمر الهام هو الذي ينتج الهموم أما المهم فهو الذي تكون له أهمية).
هؤلاء، هم أنفسهم مشغلو أرجوحة التحايل والكذب، للتمسك بمغنم السلطة، وصم الآذان عن صوت المجتمع، وعن أصوات الناصحين الذين يؤكدون على أن الفلسطينيين يواجهون مخاطر مصيرية، تقتضي وقوف الطيف السياسي مجتمعاً أمام مسؤولياته، وإنهاء هذا العبث الذي يلامس الخيانة، ويذهب بقضيتنا وكياننا الوطني الى العدم والاندثار، ويفاقم إحباط الشعب الفلسطيني.
لقد حان وقت الوقفة الوطنية الشاملة، لإيقاف هذه الأرجوحة، ومنع مرور مثل هذه الانتحالات التي يفضحها كل ما بعدها، من خلال استمرار الحال على ما هي عليه.