اقرأ أيضاً

بيانات صحفية

الفصل الأخير من زمن الاحتيال

بقلم: عدلي صادق

أتحفنا عباس أمس، بتلاوة خطابه، الذي بدت كل فقرة منه تتطلب حسماً لسؤال عاجل: هل الذي كتب له هذا الخطاب موجود بين الفلسطينيين ويعيش أوقاتهم أم أرسل النص للرجل، من صقيع سيبيريا أو غابات إفريقيا؟ فليس معقولاً أن يصل التجرؤ على استهبال الشعب الفلسطيني، الى هذه الدرجة من الخفة وتزويج المتناقضات، ورمي الخيبة في بطن الخيبة، لتخليق نوع هجين، من الكلام الفاقد لأي معنى.

هذه المرة، وحسب الخطاب، يطرح الرجل رزمة مرقمة من الحيل التي في جعبته، وقد وصل عددها الى عشرة، قدمها قائلاً بصيغة المفعول لأجله حسب النحو:”.. قياماً بواجبنا في حماية مصالح شعبنا، فإنه يتحتم علينا القيام بما يلي”!

يبدأ رئيس السلطة، استعراض الواجبات التي يتحتم عليه القيام بها، لحماية مصالح شعبه، وتلك كلها تتعلق بتحديات قديمة ولا جديد فيها. ويصعب على الدهاقنة في اللغة والسياسة، فك لغز الفعل “يتحتم” في خطاب عباس، لا سيما عندما يكون مشمولاً بتحديد من تقع عليه مسؤولية الإستجابة، وهو المتكلم مجازاً بضمير النحن، معبراً عن الأنا، فإن كانت الواجبات القديمة الجديدة، تحتمت على فخامته، لحماية المصالح الوطنية كما يقول؛ فلماذا لم يستجب ومن الذين منعوة؟

في التفصيل يمكن مطالعة الواجبات التي يراها الرجل لنفسه في هزيع العمر، دون أن يتوقع استفساراً عن سبب عدم قيامه بها، خلال سبعة عشر عاماً من تسلمه الرئاسة.

يستهل شرح الواجب الأول بالتأكيد على وجوب “إعادة النظر في الوضع القائم بأسره، وترتيب أوضاعنا الداخلية، والنظر في خياراتنا كلها، وفي علاقاتنا مع دولة الاحتلال، بما يُمكّننا من الصمود على أرضنا، والحفاظ على حقوق شعبنا في أرض وطنه..”!

كأنما عباس هنا، يراهن على فقدان الذاكرة لدى الفلسطينيين، علماً بأنهم نُكبوا بكل شيء في عهده، ولم يتبق لهم سوى ذاكرتهم، فقد بُحت الأصوات، وهي تصرخ طلباً لـ “إعادة النظر في الوضع القائم بأسره، وترتيب أوضاعنا الداخلية، والنظر في خياراتنا كلها”. وكان هو حصراً من يمنع ومن يسد الأفق ومن يخاصم لكي لا يعيد النظر في أي شيء، ويرفض أن يرتب وأن ينظر في الخيارات.

وفي الواجب الخامس يقدم عرضاً كاريكاتورياً كأنما هو دعوة للتكاذب فيقول:”وبالإضافة لما سيتخذه مجلسنا المركزي هذا، من قرارات لمواجهة التحديات المختلفة التي تواجهنا، بما فيها القرارات التي اتخذها المجلس عام 2018 ولم يكتب لها التطبيق؛ علينا مواصلة الحفاظ على منجزاتنا الوطنية، ومواصلة بناء مؤسسات دولتنا، والحفاظ علي حداثتها وديمقراطيتها والالتزام بسيادة القانون، والاستمرار في المراجعات والإصلاحات الضرورية، بحيث تكون حكومتنا قادرة على مواجهة التحديات، وتلبية احتياجات ومتطلبات المجتمع الفلسطيني، وتطبيق معايير الشفافية والمساءلة ومكافحة الفساد وحرية التعبير وفق القانون”

نحن هنا بصدد حزمة سميكة من الفضائل والمباهج التي يبشر بها دفعة واحدة، يتحدث عن قرارات إضافية سيتخذها مجلسه المركزي تكون معطوفة على قرارات سابقة، بينما في جلسة الافتتاح رفض هو نفسه، طلباً متواضعاً لـ “حزب الشعب” إدراج بند تنفيذ القرارات السابقة على جدول الأعمال. ويقول إن قرارات مجلسه “المركزي” سنة 2018 لم يُكتب لها التطبيق، بصيغة المضارع المبني للمجهول، مع أن الفاعل الذي لم يُطبّق وما زال لا يريد التطبيق هو نفسه وليس أحداً سواه.

ويصل رئيس السلطة الى ذروة محاولته استهبال الناس فيتحدث عن ديموقراطية مُنجزة، يريد الحفاظ على حداثتها، مع استمرار الالتزام بسيادة القانون وبالمراجعات والإصلاحات وتلبية احتياجات ومتطلبات المجتمع وتطبيق معايير الشفافية والمساءلة ومكافحة الفساد. فكأنما ليس هو الرجل نفسه، الذي له في كل يوم قرار يحتقر الديموقراطية ويهزأ من الشفافية ويعتدي على القضاء بمراسيم قرارات، ويُقتل الناشط في عهده، ضرباً على الرأس، ثم يًسجن الشاهد لكي لا يُدلي بشهادته، وكأنما ليس هو الذي لم يُبقِ على مؤسسة دستورية واحدة، من تلك التي يقوم عليها الحكم.

قصارى القول: ما الذي يضطر هذا الرجل للتوسع في الكذب المكشوف، والاستمرار في محاولات التضليل؟ إنه استشعار الخطر من انتهاء مرحلته بمنهجيتها وأشخاصها، وحرصه على إحالة منظمة التحرير الى جيب المنسق الأمني.