بقلم: مصطفى إبراهيم
قُتلت مساء يوم الثلاثاء ابتسام (57 عاماً) في مخيم يبنا وسط مدينة رفح، جراء قصف الطائرات الحربية الإسرائيلية. وقُتل معها أحفادها الأطفال الأربعة، وابنتها إيمان وزوجها النازحان من غزة.
توفي زوج ابتسام، التي تربطها صلة قرابة مع عائلتي، وهي صغيرة. أنجبت بنتين وولداً، ورفضت الزواج مرة أخرى،
وعاشت حياة صعبة وكافحت لتربية أولادها إلى حين كبروا وتزوجوا.
هذه المرة الثانية التي يتعرض فيها منزل ابتسام للقصف، وكانت المرة الأولى قبل شهرين، حينها قُتلت إحدى قريباتها من النازحات من شمال قطاع غزة.
في إحصاء للأمم المتحدة ذكرت فيه أن أكثر من 10 آلاف امرأة قُتلن في قطاع غزة منذ بدء الحرب، بينهن 6 آلاف أم تركن وراءهن 19 ألف يتيم.
في اليوم الـ 194 للحرب على غزة، ارتكب الجيش الإسرائيلي 6 مجازر ضد العائلات في قطاع غزة، وصل منها الى المستشفيات 56 قتيلاً و89 جريحاً خلال الـ24 ساعة الماضية، وارتفع معها عدد القتلى إلى 33899، و 76،664 جريحاً منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.
ناشدت وزارة الصحة في غزة عبر بيان صحافي، جميع المعنيين السماح لمرضى السرطان والجرحى والأمراض المختلفة من الذكور من الفئة العمرية بين 16 الى 65 عاماً، بالسفر للعلاج حفاظاً على حياتهم، إذ يموت بعضهم في كل يوم.
وتزامنت المناشدة مع تصريح للمتحدثة باسم منظمة الصحة العالمية، بأن مستشفى كمال عدوان شمال قطاع غزة يستقبل 50 طفلاً يومياً بسبب الجفاف ونقص الغذاء.
يأتي ذلك على رغم الادعاء بأن وتيرة الحرب انخفضت وعدد الشهداء تراجع مع انتهاء العملية البرية في خان يونس، التي استمرت 4 أشهر حوّلت المدينة وقراها الشرقية الى خراب شامل، أشد قسوة من العمليات العسكرية البرية التي نُفذت في مدن شمال قطاع غزة خلال الأشهر الماضية.
المرحلة الثانية من الحرب
الحرب لم تنتهِ بعد، هي مستمرّة مع تغيّر مرحلتها وأسلوبها، وانتقلت الى المرحلة الثانية كما ذكر بعض المحللين الإسرائيليين، والتي تركز على أهداف نوعية مثل ضباط وأفراد الشرطة الذين يحاولون تنظيم حياة الناس اليومية، ومنع الفوضى وحماية المساعدات وتأمينها من السرقة.
وتأتي هذه المرحلة للقضاء على مقدرات “حماس” المدنية، إذ قتلت الطائرات الحربية الإسرائيلية بصاروخ 7 من الضباط وأفراد الشرطة في مدينة غزة يوم الثلاثاء الماضي.
تعتبر هذه المرحلة أكثر شدّة باستخدام الطائرات الحربية في قتل الفلسطينيين وتدمير منازلهم. والمثير للسخرية أن إسرائيل تتبنى أسلوب المرحلة الأولى ذاته، أي تركيز القصف من الجو واستهداف البنى التحتية ومنازل المواطنين.
وخلال يوم الثلاثاء فقط قُتل 13 فلسطينياً في مخيم المغازي، منهم 7 أطفال، و7 فلسطينيين في مخيم رفح، منهم 4 أطفال وامرأتان ورجل، و13 فلسطينياً في الشيخ رضوان بغزة. حدث ذلك في خضم انشغال العالم بالرد الإسرائيلي على إيران، الذي يعتقد كثيرون أنه أدّى إلى تراجع في حدة حرب الإبادة، مع تخفيض عدد القوات البرية.
ما زالت إسرائيل تطيل أمد الحرب، ويستفرد الجيش الإسرائيلي بالمحافظة الوسطى، بخاصة النصيرات التي تتعرض لقصف يومي. فعمليات القتل والتدمير طاولت المغازي والبريج ودير البلح، بينما العالم والعرب منشغلون بالرد وعدم الرد على إيران، لتصبح الإبادة في غزة خبراً ثانياً.
مع الاستمرار في إشغال العالم في اجتياح رفح الذي يتم التعامل معها كفزاعة لإدامة حرب الإبادة، والضغط على الرئيس الاميركي جو بايدن الذي يتعامل مع رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو كالطفل المدلل، وبايدن المستعد لتلبية طلبات اسرائيل ونتنياهو.
اجتياح رفح ورقة يستخدمها نتنياهو لابتزاز بايدن ووضعه الانتخابي المحرج، أما “دول الجوار” فعلى رغم الأخبار التي تقول أنهم ساعدوا إسرائيل في مواجهة الهجوم الايراني، يبدوا أن العجز بلغ مداه أو هم متواطئون في الحرب على غزة وإطالة أمدها، وغير قادرين أو معنيين بالضغط لوقفها.
يشعر الكثير من الفلسطينيين أن الإبادة هي الهدف الحقيقي في قطاع غزة الذين يدفعون حياتهم ثمنا لحرب طالت كثيراً، وإطالة امدها مصلحة لنتنياهو وقادة الجيش الذين لم يشفوا غل انتقامهم وفشلهم في السابع من أكتوبر.
تجند ما يسمى العالم الحر لحماية إسرائيل من الرد الإيراني، خوفاً عليها من إيران ومن نفسها، تزامن ذلك مع الغطرسة باتخاذ قرار بالرد، وسلوك نتنياهو مع زعماء العالم الذين طالبوا اسرائيل بعدم الرد، خشية من توسيع الحرب خارج حدود غزة، وكأنهم يقولون له دعنا نستكمل الابادة المستمرة ضد غزة منذ أكثر من 6 أشهر.