آخر الاخبار

محصلة الحسبة الخاطئة

كتب عدلي صادق: أخطأ د. نبيل شعت، عندما تقبل تكليف عباس له بترؤس مؤسسة ياسر عرفات، فلو فعلها رجل غير د. نبيل، ممن هم أقل منه خبرة، لقلنا إن هذا غافل عن طبائع عباس وسيجرب حظه معه. ففي الحقيقة يُعتبر د. نبيل كفاءه عالية (تأهيله العلمي، تجربته مع الختيار، مواكبته حركة فتح، وأهميته منذ تصدره لإدارة المؤتمر العام الرابع، ثقافته العامة العالية، لغته الإنجليزية التامة في السياسة والإدارة) ربما بسبب هذه الكفاءة، كان عباس لا يطيقه، وكان ينزعج منه أيام الختيار.

وباختصار كان الودٌ مفقوداً تاريخياً، ويمكن أن نعتبر ذلك معطوفاً على الود المفقود لدى عباس، حيال الزعيم الشهيد الباسل نفسه، حياً وميتاً. ثم هناك عنصر الكفاءة السياسية ـ بالمعيار العلمي المجرد ـ الذي يميز د. نبيل شعت، عن أصفياء عباس.

كانت حسبة د. نبيل الخاطئة في السنوات الأخيرة، هي التي أوقعته في المأزق الأخير، فقد توهم الرجل أن تطوعه للهجوم على النائب محمد دحلان، بدون سبب أو سابق إساءة من قبل الرجل الذي أصبح بعده نائباً عن خان يونس، سيفتح قلب عباس له وكذلك باب التكليفات المهمة.

في البداية أعطاه مهمة مفوض علاقات خارجية، وثابر أثناء شغل هذا الموقع، على محاولة شطب دحلان في قطاع غزة بدءاً بخان يونس، وتلك أيضاً كانت حسبة خاطئة لا يقع فيها صاحب تجربة، حتى وإن كان كالدكتور نبيل لا يعرف المجتمع ولا يعرف المواصي. كان أجدر به أن يعلم منذ البداية، أنه كمن يَرْقُم على الماء، وأن المشطوب في الضمائر وفي الساحات هو عباس وحلقته الضيقة وليس أحداً غيرهم. فهؤلاء ينحصر تواجدهم في الإطار الذي يعلمه الجميع، ويلتزمون الدور الذي يعلمه الجميع.

سرعان ما أخلى د. نبيل الساحة على صعيد التعرض لدحلان، وتولى المهمة أخرون ممن يعلمون أيضاً أن عباس لا يطيقهم، لكن خيارهم كان الحفاظ على السبوبة.

نحن هنا لا نعني كادر الحركة الذي نقدره وبخاصة القديم منه، ولا نعني حتى من يتولون مسؤوليات متقدمة ويقولون إنهم يوالون “الشرعية” وإنما نعني صنّاع الضغائن والدسائس ومعهم كتبة التقارير الكيدية لقطع أرزاق الناس وحقوقهم، أي التقارير التي احتقرتها أجهزة السلطة وتراجعت عنها، لكن عباس تمسك باستمرار قطع رواتب ضحاياها.

جاءت القشة التي قصمت ظهر البعير، عندما ارتضى د. نبيل على نفسه، أن يتسلم مؤسسة الشهيد ياسر عرفات، بعد عملية إقصائية تنحصر كل أسبابها في مقاربة سخيفة ومفتعلة، لا تشبه تاريخ فتح ولا تقاليدها، روجت لها حاشية عباس، وهي أن هذه الحركة تشبه معبداً يديره كهنة راسخون وجبت طاعتهم، وأن لا خيار لأحد من كادر الحركة سوى طاعة الكاهن الأكبر، وتقبل خياراته وأصفيائه من سدنة المكان والزمان، مع وجوب التأكيد على طهارتهم، على الرغم من كل شواهد النجاسة.

ناصر القدوة، لم يطمح الى أكثر من خوض انتخابات عامة على رأس قائمة كان شريكه فيها عضو آخر من المركزية وقائد وطني أسير، لكنه مكروه بامتياز من قبل عباس. وبناء على ذلك جرى فصل ناصر من الحركة ـ المعبد، ومن “المركزية” ومن أرض السدنة والكهنة. عندئذٍ كان على د. نبيل أن يعلم بأن تكليفة بالمؤسسة التي أقصي عنها د. ناصر، يقوم على عوار، وأن عباس لم يُعرف عنه سابقة وفاء واحدة في حياته، ولا لأي صاحب فضل أو رفيق أو صديق قديم، فما بالنا بواحد يكرهه تاريخياً كالدكتور نبيل شعت.

ومن لا يصدق هذا الكلام عليه أن يدلنا على واحد كان صديقة أو مقرباً منه تاريخياً أو كان عضواً في تنفيذية أو مركزية ما يزال موجوداً معه.

تسلم د. نبيل مؤسسة الشهيد ياسر عرفات، بينما طبائع الأمور تقول إن مثل هذا التكليف لا يليق به، وإنما يليق بواحد من الوصوليين فاقدي المواهب والمناقب.

وللأسف تلقف د. نبيل أعطية عباس وهو يعرف أن هناك عملية إقصاء غير عادلة جرت بمنطق مضاد للقانون ولثقافة الدولة وللوائح المؤسسة نفسها. لكنه تلقف الأعطية وهو في سن الرابعة والثمانين، وأجدر به أن يستريح وأن يكتب مذكراته.

الآن يقول أخونا إن عباس طلب منه الاستقالة، وتبعاً لذلك يقول أيضاً إنه فعل المطلوب وزاد عليه تقديم استقالته من كونه مستشاراً لعباس (وفي الحقيقة أساء الرجل لنفسه عندما قبل مثل هذه الوظيفة الثانية واستمر فيها علماً بأن لا يُستشار في شيء).

وفي المحصلة، وللأسف أهين الرجل وهو لا يملك وضع نقطة واحدة على حرف. لم يعد أمامه سوى كتابة المذكرات باعتدال ودون أن يبالغ كعادته، ونتمنى له موفور الصحة. فلا يُشرّفه، ولا يُشرّف غيره من الفتحاويين؛ الارتباط برجل فقد ظله وفقد مصداقيته.

إن الفتحاويين قاطبة، ينتظرون على أحر من الجمر، طي صفحة عباس وزمنه وخياراته، فقلوبهم اليوم في جنين وهي منذ سنوات تتنقل بين المناطق الساخنة ومطارح النزال وجنائز الشهداء، ولا تقترب من “المقاطعة”!

أخبار ذات صلة