آخر الاخبار

عشرون صفحة كأنها صرخة

كتب عدلي صادق: من خلال التقرير الأخير، الذي أصدرته مؤسسة “أمان” الفلسطينية، المعتمدة لدى منظمة الشفافية الدولية؛ يُستشف مرة أخرى، أن الفساد في السلطة الفلسطينية له مايسترو يوجهه ويحميه ويُصر عليه، ومن سيكون هذا المايسترو غير محمود عباس وهو على حافة قبره.

يتعلق التقرير بوقائع الفساد في السنة المنصرمة (2022) ويمكن ـ بالاختزال الشديد ـ القول إن المجتمع الفلسطيني، من خلال أبنائه المطلعين على وقائع الفساد، يضخ لمؤسسة “أمان” قصصاً وحكايات، عبر ماسورة من عيار خمسين إنشاً ، فتجد “أمان” نفسها معنية بفتح صنبور الإحالة يومياً، الى ما تسمى “هيئة مكافحة الفساد” التي اصطنعها عباس لذر الرماد في العيون. لكن هذه الهيئة، لا تستطيع الإحالة الى النيابة بالزخم نفسه لأن الماسورة عندها من عيار نصف إنش، تصل بالكاد الى سخان النيابة المكبلة. ولما كاد السخان أن ينفجر، واستمر تدوير الملفات من سنة الى أخرى؛ جرت الاستعانة بصهريج مؤقت، لكن الكثير من القضايا أحيل الى ركن التجميد في ثلاجة القضاء الشامخ، على اعتبار أن ملفات الكبار ليست إلا من نوع الأمانات الخاصة بالسيد الرئيس.

تقول “أمان” أن 86% من الملفات التي وصلت الى النيابة العامة ظلت محجوزة لديها. بل إن بعض القضايا المتعلقة بجرائم اقتصادية كبرى، يجري استثمارها بعمليات فساد مشتقة عنها، كأن يُصار الى مساومة صاحب الملف على ثمن التسوية ليس خارج القانون وحسب، وإنما بمفاسد أخرى إمعاناً في احتقار العدالة.

ولأن لكل رزية قبيحة، شيء طريف أو ملمحٌ مضحك أو إضافة نوعية من نوع الاختراعات؛ فإن فاسدينا الجهابذة استفادوا من مقولة تبييض الأموال، واستحدثوا تبييض التمور من نوع المجدول. معنى التبييض هنا، هو شراء وإعادة تسويق تمور المستوطنات، باعتبارها منتجاً فلسطينياً. لذا يحدث أن تقاطع أيرلندا مثلاً منتجات المستوطنات، فيقوم فلسطيني عرص، بتسويقها هناك، ويضع شعارنا الوطني عليها وربما كان سيذرف الدمع لو استطاع. وتكتمل دائرة الشيطان، عندما يبادر عرصات آخرون، تقول “أمان” أنهم من كبار موظفي السلطة، الى مساومة المدان بتبييض التمور، لمنحة التسوية، مقابل حصولهم على ممتلكات تعود له!

في موضوع العلاج، تكشف ملفات الفساد، أن سبب تدني المنظومة الصحية الفلسطينية، وموت الناس لأبسط الأمراض، هو عدم إقرار السلطة، نظـام تأميـن صحـي شـامل ينصف الشعب الذي يقدم الدماء والأرواح ويدفع الضرائب. فليس من مصلحة الممسكين بتلابيب السلطة، بناء نظام صحي عادل، يوفــر علاجاً وتغطية صحية ذات جودة عالية تليق بشعبنا. وسبب الفاسدين في ذلك، هو وجود مستثمر تابع لعباس يُدعى صندوق الاستثمار ومعه أخرون من دنيا أخرى في الرواتب الفاجرة، يثابرون على تأسيس منظومة قطاع خاص صحي موازية مستفيدين من تدني مستوى الخدمات في المستشفيات العامة، من خلال “الحصول على نسبة كبيرة من التحويلات الطبية” حسب تقرير “أمان”.

لهذا كله، وسواه، يرفض عباس إجراء الانتخابات، ويهنأ بعدم وجود ممثلي الشعب، ويستفيد من إطاحة الوثيقة الدستورية، ويلعب في القضاء والإدارة والتعيينات. ففي كل بند من تقرير “أمان” هناك إشارة الى دورة الخسيس.

وهذا كله هو الذي جعل البنت الفلسطينية المسيحية، تعلق صليباً كبيراً على صدرها، وتذهب الى صندوق الاقتراع في جامعة بير زيت، لكي تنتخب “الكتلة الإسلامية” نكاية في فتح. فربما لسان حالها يقول، ما دام فوز القائمة الأخرى يصب لصالح تبييض التمور، وحجز ملفات اللصوص وتدويرها في النيابة، والاتجار بملفات الفساد نفسها، فلماذا انتخب طلاب هكذا حركة؟ ومن ذا الذي سيقول للبنت إن الحركة بريئة وأنها مختطفة!

في تقرير “أمان” عشرون صفحة نزلت كأنها صرخة تقول للناس: لقد بلغ السيل الزُبى.

أخبار ذات صلة