اقرأ أيضاً

بيانات صحفية

كتب عدلي صادق: في تمحيص هذه الظاهرة

كتب عدلي صادق

في ظل حكومة اليمين الإسرائيلية الأكثر تطرفاً من نتنياهو؛ حدث تصعيد لافت، في عنف المستوطنين في الضفة، وفي تعدياتهم اليومية على أهل البلاد، بالتزامن مع تصعيد آخر، من جيش الإحتلال، ضد المجتمع الفلسطيني، إذ تزداد أيضاً مداهمات البيوت والإعتقالات وجرائم القتل، التي تتلقى القليل من ردود الأفعال الفردية!

في هذا السياق، يحاول المحتلون تبرير اقترافاتهم، بنشر مواد زائفة عن كميات سلاح لحماس، يزعمون أنهم ضبطوها في الضفة. وفي هذا المشهد أيضاً، عاد الى الظهور الناشط اليساري الإسرائيلي المناهض للإحتلال، حاييم شادمي، الذي لم يعجبه الكلام قيل في مؤتمر إسرائيلي انعقد في داخل “الكنيست” يوم الإثنين المنصرم، يبحث في ظاهرة العنف الذي يمارسه المستوطنون في الضفة. قال شادمي، إن ما سمعه من آراء لا يقترب من الحلول، لذا فإنه يقترح السماح لمناهضي الإستيطان، بحمل السلاح على مقربة من المستوطنات، للدفاع عن الفلسطينيين!

في الدقائق القليلة التي سمح فيها لشادمي، بأن يتحدث، قال مخاطباً حكومة إسرائيل:”إمنحونا الفرصة لحمل السلاح، لحماية الفلسطينيين من عنف المستوطنين.. عندئذٍ سنقوم بالعمل ونحمي حياة الإنسان لأن حكومتكم لا تعرف كيف تقوم بذلك”!

منظمو المؤتمر، أحسوا بأن ما يقوله حاييم شادمي، فيه جرعة زائدة من العداء للمستوطنين الأصوليين، وسرعان ما قالوا إن رأي الرجل، لا يعبر عن موقفهم “الداعم للنضال من أجل إنهاء الاحتلال بالطرق السلمية”. لكنهم أعربوا في الوقت نفسه، عن تمنياتهم لو أن الذين أغضبهم كلام شادمي، قد تحدثوا أيضاً عن عنف المستوطنين الشديد، الذي ازداد في الأسابيع الأخيرة، ضد الفلسطينيين في بلادهم”!

على الطرف الآخر، وفي داخل المؤتمر، وقف متطرف من حزب الديني الصهيوني، يُدعى أيتمار بن غافير، ليزجر منظمي المؤتمر، ويذكرهم بأنهم اجتمعوا لإدانىة عنف المستوطنين، بعد يوم واحد من قتل المرشد السياحي إيلي كاي في بلدة القدس القديمة. وطلب منهم الوقوف دقيقة صمت، حداداً على القتيل، فلم يستجيبوا له وطردوه من القاعة، بعد أن شتمهم!
يُصنّف حاييم شادمي بأنه من اليسار المتطرف. وقد حملته كراهيته لليمين، منذ بداية شبابه، للإشتباك مع نتنياهو وإبنه يائير، عبر وسائل الإتصال الإجتماعي، واتهمه الإثنان لدى الشرطة، بتهديدهما بالقتل. فقد كتب لنتنياهو الإبن يقول: يا يائير، تذكر وعدنا. لقد قلنا لك طوال الوقت، نحن نعرف سبب حاجتك لحراس أمن. صدقني، نحن نعرف، ويوما ما ستكون بدون حراس وعندها .. مَن يدري؟” وفي خارج مقر الشرطة، وقف مناصرو شادمي، الذي خاطبهم قبل دخوله:”سينتصر العدل وتعلو الحقيقة.. فليس هناك قوة أقوى منهما”!

في العودة الى تمحيص ظاهرة حاييم شادمي ومناصريه، يصح القول، ابتداءً، إن هؤلاء الذين يعتبرون الإحتلال العسكري، جرحاً ينزف في خاصرة دولتهم؛ ليسوا خائنين لها، وإنما ذوو رؤية ثاقبة، تلائم طموحهم كيهود، للعيش في دولة آمنة في المنطقة. وقد عبر العديدون منهم عن استحالة أن يتمكن شعب صغير من إلحاق هزيمة نهائية بأمة كبيرة ومتجذرة في أوطانها. أما في السياق العام، فهم لا يجانبون الصواب، عند تقييمهم للمتطرفين، باعتبارهم ذوي غرائز لا ذوي ثقافة، بمعنى أنهم معتوهون، ومن شأنهم الإضرار بالمشروع الصهيوني في المحصلة. لذا تراهم ينصحون الطبقة السياسية، بألا تتوهم في التطبيع، فمن يطبعون من الجوار، مع حكومة يمين عنصرية وظلامية، ليسوا هم الأمة، وإنما محض حكومات تجيء وتذهب وتقف على حراك إجتماعي وثقافي، لشعوب طامحة الى العزة وليس الى الخيبة. وبناءً عليه، فإن القلة الإسرائيلية المتشددة في رفض الإحتلال، تسعى الى إنهائه والى السلام، حفاظاً على مستقبل إسرائيل بالمعيار التاريخي. كذلك فإن وجود هذه القلة، بحد ذاته، يمثل تحدياً لحكومة إسرائيل ولشركائها في سياقات التطبيع. فمن جهة هي تصنع قلقاً وعُصاباً للعقل الإسرائيلي المتمسك بالإحتلال وبالمنهجية العنصرية، ومن جهة أخرى، تقوم تلقائياً بتعيين الفارق بين دولة تستوعب الرأي الآخر في داخلها، وفق المحددات الدستورية، ودول وحكومات تحسب كل صيحة عليها وتخشى من إشارة إستحسان رأيٍ يخالف رأيها، عبر وسائل التواصل، بل إن هذه الظاهرة الإسرائيلية، تصنع الفارق بين سلوك دولة تزعم أنها ديموقراطية، ولا تستطيع الخروج عن محدداتها الدستورية، بينما هي تمارس أبشع أفاعيل الإكراه والإقصاء والجريمة في جوارها الفلسطيني!

بقي القول، إن ما يطرحه أمثال حاييم شادمي؛ فضلاً عن كونه شهادة إسرائيلية ضد حكومة إسرائيل؛ يستحق التظهير والتوزيع على نطاق واسع، باللغات الأجنبية، فهو أجدر بذلك من تصريحات بليدة تقول إن الفصيل الفلاني يشجب هذه الجريمة أو تلك، وكأن هناك افتراض بأنه لا يشجب!