كتب عدلي صادق: قيل عن الذين لم يحصلوا على أصوات في انتخابات تيار الإصلاح في ساحة غزة، بأن الحظ لم يحالفهم، وهذه مجاملة حميدة ومستحقة، علماً بأن الحظ لا علاقة له بالنتائج.
وأحس بعض الذين حصلوا على أصوات وصعدوا بها؛ بأنهم أعلى شأناً من أعضاء البرلمان الأوروبي، وكان من حُسن المقادير، أن هؤلاء وأولئك مجرد بعض!
في حالات نادرة يتفوق النظام المُحْكَم على بعض الذين يسري عليهم، سواء ممن حصلوا على عضوية مجلس أو من الذين لم يحصلوا، فالبعض من الأولين يتنافخون وبعض الذين لم يحصلوا يتفجعون، علماً بأن الجميع، في المحصلة النهائية، سيكون رابحاً من أي عملية انتخابية شفافة ونزيهة.
إنها البيئة التي جرت فيها عملية انتخابات التيار، وهي بيئة مسكونة بكل السلبيات الناجمة عن ظواهر الإحباط والإملاء والتهميش والتنمّر في المشهد الوطني كله، ويصح القول إن هذه الحالات هي نفسها التي يسعى النظام الى تخفيفها ثم الإجهاز عليها، على مستوى الوطن الذي يمر بظروف بالغة الصعوبة، فالجزئية التي تمثلها عملية اختيار القيادات، في كل طيف، هي التوطئة الطبيعية لإعادة بناء النسق السياسي الفلسطيني على صعيد حركة فتح، والطبقة السياسية بِرُمَّتها.
إنها حكاية مَغرمٍ لا مغنم، وحكاية عمل لا وجاهة، لا سيما وأن العمل شاق، والركام كبير والمحاذير كثيرة والتحديات مصيرية، ليس على مستوى فصيل أو تيار من فصيل، وإنما على المستوى الوطني كله.
تصادفت انتخابات التيار، مع التصعيد الإجرامي من جانب جيش الاحتلال والمستوطنين في الضفة والقدس، فقد ارتسم مسرح أحداث، أشبه بحرب مريرة بين شعب يفتقر الى القيادة، ودولة يحكمها ممثلو مستوطنين مهووسين، لا يريدون الاعتراف بأن لهذا الشعب الحق في الوجود على أرضه والحق في حياة مستقرة في وطنه.
وهنا تتعدد الاختبارات الصعبة على الجانب الفلسطيني وتتقاطع، ويتفاقم مأزق الإقليم كله، وبخاصة الجزء التطبيعي منه، الذي وجد نفسه يطبّع مع أوغاد يزدادون وقاحة وإجراماً. وفي فلسطين، يضغط العدو على “المقاطعة” لكي تصل في تنسيقها الأمني الى درجة الانتحار السياسي الكامل بدل محاولات الانتحار.
فحكومة إسرائيل الآن، تضع السلطة بين أحد خيارين: إما الإعلان من الجانب الإسرائيلي أنها فاقدة الأهلية وتترنح ودنا أجلها فباتت على حافة الانهيار ـ وهذا ما بدأ فعلاً ـ وإما أن تتحول علناً الى نسخة شرسة من قصاصي الأثر والمستعربين.
ومثلما يصعب على هذه السلطة أن تغادر مطارحها، يصعب عليها التحول الى ممارسات يستحيل تعليلها بما يسمى المصالح الوطنية، والأصعب من كل شيء، أن عمليات المقاومة ما تزال ذات طابع فردي، بينما يحرص العدو على تنسيبها الى “حماس” لكي يصنع لنفسه طرفاً افتراضياً يبرر بلغة الديماغوجيا، شن الحرب والمزيد من التوحش والقتل. وللأسف، لا شيء في هذا السياق، على الجانب الفلسطيني، يساعد على فتح ثغرة للأمل، ولو من خلال منح المجتمع الفلسطيني فرصة للتعبير السياسي عن نفسه، وإحراز كيانٍ ذي نصاب أو طبقة سياسية وطنية مقنعة، تتوافر لها مجرد القدرة على “الممانعة” دون المقاومة!
حيال هذا الخليط من الأشياء ونقيضها؛ بادر الفتحاويون من تيار الإصلاح، الى مأسسة الحال التنظيمية، لكي تتأهل للمشاركة في تخليق وضع فلسطيني ذي فحوى ديموقراطي يستنهض الناس، لكي لا يظل الشُبان الذين يبذلون أرواحهم في مواجهة عدو ظلامي عنصري مغلق العقل، يستبيح دم الشعب الذي يرزح تحت نير الاحتلال العسكري الأخير، في العالم وفي التاريخ!
بعد الانتهاء سريعاً من عملية التأسيس لحال وطنية فتحاوية خلاّقة؛ لا بد أن تبدأ سريعاً أيضاً، حوارات الضرورة، بمنهجية مختلفة تماماً عن ألاعيب الحوارات السابقة والدجل السخيف، وصولاً الى وضع فلسطيني يراكم عناصر المناعة في وجه الدولة المسلحة حتى النواجز، وهي تُشهر سلاحها في وجه مجتمع منزوع السلاح، وأجيال جديدة، منزوعة القيادة ومنزوعة الطبقة السياسية.