بقلم: عدلي صادق
ربما تكون نية عبس، تكليف محمد مصطفى برئاسة الحكومة، محض تكهن ممن نقلوا خبر تغيير د. محمد اشتيه. وفي الحقيقة كانت هناك رغبة لدى رئيس السلطة، قبل سنوات من حرب الإبادة الراهنة، تكليف مصطفى، وهو رجل من عظام رقبته. لكن انقطاع هذا الأخير عن المجتمع وحتى انقطاعه عن المنظومة المالية للسلطة، وتفرده لصالح عبس وأولاده في صندوق الاستثمار؛ جعل تكليفه ضرباً من الجنون. ومصطفى هذا يتقاضى بالدولار راتباً، بعشرات الألوف شهرياً، كما لو إنه مدير إقليمي لبنك عالمي في الخليج. فهذا الرجل يصلح لوظيفة محددة وهي ترتيب عملية المغادرة التي ظهرت نُذرها أمريكياً وصهيونياً، لكي يخلع مع أولاده، بأقصى ما يتاح له من مال الناس. فمع شُح المال المتداول، هناك المال المحتبس في الهيئة العام للاستثمار!
الرجل اختار تضييق خياراته والتعامي عن الكفاءات الفلسطينية التي يزخر بها المجتمع الفلسطيني في الوطن والشتات. وإنطلاقاً من إدراكه أنه لم يحقق شيئاً يبرر بقاءه، وأن من استحسنوا دوره على مر سنوات، باتوا على قناعة بأنه وحاشيته لا يصلحون ويجب التخلص منهم لافتقادهم إلى أي حيثيات “إيجابية” يمكن أن تتوفر لـ “شرعية صديقة”!
كانت سلطة النقد وما تزال، خارج صلاحيات الحكومة، بل لا يقوى أي رئيس حكومة، على فتح فمه بسؤال عنها وعن الأموال فيها. وسلطة النقد هذه، أشد انغلاقاً على رئيس الحكومة الذي يُحظر عليه الاعتراض حتى على تغيير بعض الوزراء، كوزيري المالية والخارجية وغيرهما!
توهم عبس أنه كلما توغل في الضلال، لكي يضع كل السلطات في جيبه، سيظل مفضلاً لدى أطراف العدوان. لكن حرب الإبادة التي خلقت فرضية التغيير على مستوى سلطة بلا مؤسسات، جعلت الفاشيين في حيرة من أمرهم. فعبس بوضعه الراهن غير قادر على أداء دور حاسم في الضفة، فما بالنا في غزة. وفي معاييرهم يصبح من لا يحسم إرهابياً، حتى عندما يثبت أن الإرهابيين هم والمنسقون الأمنيون معهم فعلوا ما يستطيعون وكان لهم جزاء سنمار. أما الأشكال التي صاغ منها حلقته الضيقة؛ فهي تحاذر مجرد الظهور في شارع من رام الله، وهذا الذي جعل الحقير نتنياهو يرتجل محاولات عبيطة، تبدأ بالبحث عن حكومات أحياء ومناطق، وأثار السخرية لفشله قبل أن يبدأ.
من بين الكوميديا السوداء، أن عبس المنتهية صلاحيته منذ سنة 2010؛ يحاول الإيحاء بأنه يريد التغيير، وأن اشتيه لم يعد يلزم، علماً بأن الرجل على الأقل يتكلم بجمل وعبارات ذات معنى وإن كان يفتقد القدرة على تطبيقها. ولما فتش عبس عن رئيس حكومة آخر ـ حسب التسريبات إن كانت صحيحة ـ لم يجد سوى مصطفى. فهو لا يمتلك أي خيارات، ولا يجرؤ حتى على الاستعانة برجل كُفء، من التكنوقراط، ينفتح على اتصالات دولية تحسباً لخروج الصلاحيات من يده.