اقرأ أيضاً

بيانات صحفية

مبالغات “حماس” في شطحات الكلام

كتب عدلي صادق: أثناء حرب يونيو 1967 كان أحمد سعيد، مدير إذاعة “صوت العرب” المصرية “يشطح” فيما يُعد اجتهاداً منه، قاصداً رفع المعنويات. وقد استغرقت “الشطحة” يوماً ونصف اليوم، فأصبح ذلك ـ بعدئذٍ ـ متكأ جماعة “الإخوان” لكي تظل على مدى نصف القرن تقول إن جمال عبد الناصر كان يكذب، ما أوجب أن يتصدى له الصادقون المؤمنون. لم تشفع لناصر نواياه ومقاصده وعاطفته الفلسطينية ولا عدم علاقته أيامها بما قيل عبر “صوت العرب” وعدم علاقته بالجيش أصلاً، ما خلا كونه السقف السياسي الذي ثابر عشر سنوات، على تجهيز جيش بلاده بالسلاح الروسي المتاح، بالتقنية الروسية المتخلفة، لكي يقارع إسرائيل، ويصرف على ذلك السلاح من مقدرات الدولة. ولما وقع العدوان بتقنيات الغرب، عومل “إخوانياً” وكأنه المعتدي الذي بدأ الحرب، إن لم الخائن الذي سعى الى الهزيمة.
وحتى عندما اختار لفظ “النكسة” في وصف ما حدث، تعرض للسخرية، بينما كان القصد من لفظ “النكسة” أن الأمة قادرة على النصر، وما الهزيمة إلا إخفاقة في تاريخ أمة، يُستعاد بعدها استجماع الإرادة، بدل التسليم والتصالح مع العدو، على أن يكون هو ومن يختارهم قائمون على إعادة بناء جيش متطور. وهذا ما حدث وظهرت نتائجه في حرب أكتوبر 1973.
كان عبد الناصر عندما يتحدث عن تحرير فلسطين، يعتبر ذلك أمنية ويصارح بأنها غير ميسورة في حياته، ولم يقل كلمة تخالف هذا الرأي، لا قبل الحرب، ولا أثناءها ولا بعدها.
من يستمع الى خطاب حماس اليوم، يتذكر للمرة الألف، أن رجلاً في إذاعة “شطح” ليوم ونصف اليوم، لكن “حماس” ظلت تشطح لأكثر من ربع القرن!
لكن الشعب الفلسطيني الذي نضج في سنوات الابتلاء، ما يزال يسمع صبح مساء كلام النصر المؤزر، بينما حالنا يصعب على الكافر، وباتت الحركة الوطنية الفلسطينية فاقدة وحدتها وفاقدة قدرتها على الفعل، وفاقدة ولاء المجتمع المنغمس في مرارة لم يشهد التاريخ لها مثيلا، بينما يتولى العمل المقاوم شباب أفرادٌ شجعان، معظمهم لا علاقة له بالفصائل، بل إن الفتحاويين منهم منذورون للمطاردة من السلطة التي تحكم باسم “فتح”!
لست ضد رفع المعنويات، أما “تكبير” الحجر لكي يصبح جبلاً، فهذا لا يُجدي مع شعب أنضجه الابتلاء، وبات وعيه عصياً على محاولات الخداع، هو يتطلع الى مخرج من الانسداد الاجتماعي والاقتصادي، لكي يعيش ويصمد على أرض وطنه، ويتوخى تصاريح عمل في إسرائيل.
أيها الحمساويون: شيء من الواقعية من فضلكم، وشي من الصدق مع بعض المراجعة والاعتراف بحقيقة ما فعلتموه، انتم ومن يقف على الطرف الآخر من الخصومة. كلاكما فاشل ومصدر ابتلاء. من يستمع الى خطابكم يفهم أن وعودكم تشمل تحرير القدس في الذكرى المقبلة بعد سنة. نحن يا أخواننا في ابتلاء يتجاوز الهزيمة ويضرب في حياة الناس في مقتل، ويشتت الشباب فمنهم من ينجو ويصل الى الضفة الأخرى من البحر، ومنهم من يستشهد غريقاً.
فتشوا، يا إخواننا، عن طريقة لتخفيف عذابات الناس وعدم إرهاقها. إن غزة لم تعد بقرة حلوب، فقد جف حليبها. استجمعوا لأنفسكم شيئاً من الحكمة والواقعية، وتحسسوا الخطر وأعيدوا شبابكم من تركيا، ولا بأس أن يبقى المتقدمون في السن الذين أدوا ما يستطيعون من الواجب. لا نحتاج منكم الآن الى واقعية سياسية، لأن العدو يعاند كل منطق سياسي. وبدل الهجوم الموعود لتحرير عاجل لـ 400 كم مربع، بجوار غزة كعربون تحرير كامل (على نحو ما يقول أحد الناس) أذهبوا انتم و”فتح” الى هجوم الوحدة الوطنية، على أسس قانونية ودستورية وانحياز حقيقي لمصالح الناس.. فربما تحققون شيئاً من جودة الحياة، بدل الكلام الفارغ.