كتب مصطفى ابراهيم: يجد المجتمع الفلسطيني نفسه في مواجهة سياسة التفرد وتغييب الشعب والمؤسسات، فيما أدت سياسات السلطة وتوجهاتها القانونية إلى التفرد وإنكار الآخرين، واستمرار تجاوزات الرئيس عباس التي تتم شرعنتها بقوانين على المجتمع المدني والنقابات.
كتب صديقي عزيز، “الرئيس صار رئيس الرئيس، رئيس كل شي، الأب الروحي للسلطات، الله يزيد من مناصبه كمان وكمان! يرحم روحك يا مونتسكيو طبقنا مبدأ الفصل بين السلطات بأبهى صورة”.
تعليقات عزيز وغيره من الفلسطينيين، جاءت بعد إصدار الرئيس الفلسطيني محمود عباس مرسوماً بتشكيل هيئة جديدة باسم “المجلس الأعلى للهيئات والجهات القضائية”، التي نصب نفسه رئيساً عليها.
ويأتي في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي على مدينة نابلس وسقوط عدد كبير من الضحايا، ما أثار غضب الفلسطينيين الذين يلتفون حول المقاومة في الضفة الغربية، وغضبهم من السلطة الفلسطينية ومواقفها. إضافة إلى أن المرسوم جاء بعد أزمة إصدار الرئيس عباس قراراً بقانون إنشاء نقابة الأطباء الفلسطينيين، وتحويل صلاحيات ومهمات مجلس نقابة الأطباء الحالي المنتخب ديموقراطيا، إلى مجلس تأسيسي معين، ما يعني حل المجلس المنتخب، إذ إن نقابة الأطباء تجري الانتخابات كل عامين.
هذا الإجراء اعتبرته أوساط طبية وحقوقية سابقة ورسالة خطيرة لجميع الأجسام النقابية المنتخبة، إذ يضعها تحت تهديد إجراءات مماثلة، واعتداء على حرية العمل والتنظيم النقابي، وهو ما من شأنه تعميق الأزمة القائمة بين الأطباء والحكومة، بخاصة أن النقابة الحالية المنتخب مجلسها، في خلاف مستمر مع السلطة الفلسطينية، التي أعلنت مباشرة الإضراب عن العمل احتجاجاً على القرار بقانون.
خلال الأيام الماضية أصدر رئيس مجلس القضاء الأعلى قرارات منها: يمنع على القاضي التدوين وعليه شطب ما نشره من السابق، وعلى القاضيات الإناث أن يلبسن زياً محتشماً أو فضفاضاً، وألا يبالغن في الزينة والتزين.
عام 2016، أثار عزل المستشار سامي صرصور رئيس مجلس القضاء الأعلى في السلطة الوطنية الفلسطينية من منصبه من قبل الرئيس الفلسطيني محمود عباس، بخاصة بعد المفاجأة التي فجرها المستشار صرصور، حين طُلب منه توقيع استقالته قبيل أدائه القسم القانوني لتوليه منصبه. وما عناه ذلك من تعبير واضح عن حقيقة التدخل في القضاء وواقع أنه مسيس، إضافة إلى قبول رئيس مجلس القضاء التوقيع على الاستقالة رضوخاً للسلطة التنفيذية مسبقاً وقبل تنصيبه حتى.
استذكر هذه الحادثة الشنيعة، مع استمرار تقويض السلطة القضائية، بعدما أصدر الرئيس عباس مرسوماً بتشكيل هيئة جديدة تحت اسم “المجلس الأعلى للهيئات والجهات القضائية”، وتنصيب نفسه رئيساً عليها، في سابقة خطيرة، منح بموجبها نفسه سلطة مطلقة، بعدما بات المسيطر الفعلي على السلطات في فلسطين.
وباعتبار أن إصدار هذا المرسوم، يشكل ضربة ساحقة لآخر ركائز استقلال القضاء، صمام الأمان والاستقرار والسلم الأهلي في المجتمع الفلسطيني، وأهم أركان الديموقراطية وضمانات حقوق الإنسان، وإرساء مبادئ سيادة القانون في الوطن.
وجاءت تلك الخطوة في سياق تاريخي من تغول السلطة التنفيذية على السلطة القضائية، تصاعدت وتيرتها منذ الانقسام الفلسطيني عام 2007.
وبعد ذلك جاء المرسوم الرئاسي بإقالة مجلس القضاء الأعلى عام 2019 وتعيين مجلس انتقالي تحت حجج مختلفة لتصويب المسار، لكنها كانت خطوة خطيرة لعزل عدد من القضاة بذريعة الإصلاح.
وعلى إثر ذلك، أصدر الرئيس عباس ثلاثة قرارات بموجب قانون عام 2021 تتعلق بتنظيم السلطة القضائية وعملها، ليتم إلغاؤها بعدما قوبلت باحتجاجات ورفض ونقد شديد من المجتمع المدني الفلسطيني والمنظمات الحقوقية، ونقابة المحامين وعدد من القضاة.
ومن خلال المرسوم الجديد، يمنح الرئيس عباس نفسه صلاحيات واسعة ويتمتع المجلس المذكور بسلطة إشراف عليا على كافة الجهات والهيئات القضائية في فلسطين، بما فيها مجلس القضاء الأعلى، المحكمة الدستورية العليا، القضاء الشرعي، والهيئة القضائية لقوى الأمن.
وبناء عليه أصبح الرئيس عباس مسيطراً على السلطات الثلاث في دولة فلسطين، حيث يستحوذ على صلاحية التشريع منذ عام 2006، بحجة غياب المجلس التشريعي وعدم قدرته على الانعقاد، وبعد حل المجلس التشريعي عام 2018، أصبح الرئيس عباس يستحوذ على سلطة التشريع، وممارستها وكأنها سلطة أصيلة له.
وعلى رغم أن المادة (43) من القانون الأساسي الفلسطيني التي يستند إليها الرئيس في إصدار قرارات بقوة القانون، قد اشترطت أن تتم ممارسة هذه الصلاحية في حالة الضرورة القصوى، إلا أن الواقع يؤكد أن ما أصدره الرئيس الفلسطيني منذ عام 2006 يساوي أكثر من ثلاثة أضعاف (388 قرار بقانون) التشريعات التي صدرت منذ قيام السلطة الفلسطينية عام 1994.