آخر الاخبار

نحو اجتماع تأسيسي لأمرٍ جَلل

كتب: عدلي صادق:

الجماعة ـ في رام الله ـ يريدون إلحاق منظمة التحرير بالسلطة، بذريعة وجوب إلحاقها بالدولة الفلسطينية، على فرضية أن هذه الدولة قائمة وتمثل شكلاً متطوراً، يتجاوز صيغة المنظمة وشكلها. وفي جوهر مقاصدهم، وهم يتحدثون عن المنظمة والدولة، لا يغادرون مربع السلطة، فهي التي يريدونها ويحرصون على أن تكون منذورة لهم وبلا مؤسسات!

هم كمن يكذبون الكذبة ويصدقونها. وفي الحقيقة ربما نكون أخطأنا أو كنا سبباً في إعطائهم المجال، عندما وافقنا على استخدام فرضية الدولة لتسليك بعض أمور التمثيل الديبلوماسي، وبعض المتطلبات البروتوكولية. فها نحن اليوم، نتابع سوء استخدامهم مصطلح الدولة، في لحظة الردة، التي بات كل شيء فيها مجوّفاً ومزعوماً وعائلياً وشُللياً: دولة يزعمونها، تبتلع منظمة مجوّفة، يقرر نيابة عنها مجلس مركزي مزعوم، في ظل سلطة تزعم أنها دولة. بينما المرتجى كله، ليس إلا في حجم حسين الشيخ، لكي تؤول فلسطين، لمن قالت ابنته في مناسبة تغيير سيارتها:” احنا أصحاب البلد”!

أي دولة هذه التي تبتلع عنواناً يجر وراءة تاريخ أهم حركة تحرر وطني، على المسرح الدولي؟ ومن هو الذي ينبغي أن يكون فرخاً يتوجب ابتلاعه أو تربيته: المنظمة التي نطمح الى استعادة دورها، أم السلطة التي عُرف دورها وعرفت وظيفتها بالصوت والصورة؟

ظل القائمون على السلطة، ساهرين بأنفسهم على تصغير حجم المنظمة ومعنيين بالحط من قدرها، ومستعدين حتى للتأكيد على ذلك باللفظ وبالإهانات المعنوية للشعب كله، والإعلان الصريح بأننا جميعاً تحت البسطار الإسرائيلي؟ فعن أي دولة، وأي منظمة، يتحدث هؤلاء؟

يمكن لمن يلعبون بالبيضة والحجر، أن يكرروا الحديث عن دولة يتمنونها. لكن الأجدر بهم أن يكونوا أكثر شجاعة وصراحة،، لكي يتحدثوا عن دولة بمواصفات خاصة ويمتلكونها. فهم أنفسهم الذين اشتغلوا على ألا تتطور السلطة الى نواة دولة، وألا تحافظ السلطة على القليل الضحل من الأسباب الوجاهية لحكمها وولايتها، بلغة القانون والوثيقة الدستورية.

تقاس جدية الدولة، من خلال قدرتها على تحقيق أهدافها. ويمكن القول بشكل عام، إن الدولة لن تستطيع إحراز قدرة عالية ومؤكدة على بقائها إلا عندما:

ـ تؤسس لنفسها وضع احتكار القوة في داخل أراضيها، أي حق الإكراه الذي لا ينازعها طرف آخر فيه، نيابة عن المجتمع ولمصلحته وبالقانون.

ـ وأن تؤسس لنفسها بيروقراطية (بالمعنى البنيوي الإيجابي) تؤهلها للعمل بشكل قانوني صحيح، بأقل نسبة أو قدر من مستويات الفساد والمخالفات، مع براهين القدرة على إنجاز مهام أساسية، مثل تنسيق واجبات الدفاع الوطني، وتوفير وصيانة البنية التحتية، وإدارة المشاريع في التعليم والصحة العامة وغيرهما.

لقد ابتلع هؤلاء مقدرات تأسيس البنية التحتية لتلبية أكلاف حياتهم الباذخة، وصرفوا عن سعة واستعانوا بخبراء فساد وتدليس من غير طيفهم.

ـ ومنوط بالدولة، الحفاظ على سيادة القانون، ضماناً لإنتاج بيئة يمكن التنبؤ بها والاعتماد عليها في تكريس العدالة، ويستطيع المواطنون الاستفادة منها، في طلب حقوقهم وفي أداء واجباتهم، بما يتناسب أيضاً مع حق الدولة الموثوقة، في تلقي الإيرادات، عن طريق فرض الضرائب على سكانها والجمارك على السلع، مقابل حق المواطنين في معرفة وجوه صرف المال العام، وحقهم في المساءلة ومعرفة ما حققته وتحققه الدولة قياساً على ما أنجزته الشعوب المتحضرة في دولها، منذ أواخر القرن السابع عشر.

هؤلاء، في رام الله وغزة، متخلفون عن القرن السابع عشر، ومنهجيتهم مضادة بامتياز لفكرة الدولة. بل إنهم لو تسلموا دولة قوية مستقرة، سيدمرونها بعد أن يسرقوا شعبها ويسومونه سوء العذاب. واليوم تريد الحلقة الضيقة التي تحكم في الضفة، ابتلاع العناوين الكبرى، ومصادرة الماضي والحاضر والمستقبل، مع المقدرات والمحاصيل والأسواق والآمال واللغة نفسها.

هؤلاء باقون وسوف يتناسلون، ما لم يتنادى شرفاء ووطنيي الشعب الفلسطيني، لكي يجتمعوا على أمر جلل.

أخبار ذات صلة