آخر الاخبار

أمام الجريمة في الشيخ جراح

كتب عدلي صادق: يُنسب رد الفعل الرسمي الفلسطيني على جريمة التطهير العرقي في حي الشيخ جراح، الى ما يُسمى “الرئاسة” الفلسطينية، وكأن تجرؤ حكومة المستوطنين العنصرية، لم تكن تؤكد على منهجية الإقتلاع والإستلاب والبطش، التي اعتمدتها الحركة الصهيونية، في عملية التأسيس الأولى لدولة إسرائيل، أو كأن ما حدث لعائلة صالحية، بوقائعه ورمزيته، لا يحتاج هذا كله لخروج رأس الرئاسة لوضع النقاط على الحروف، فالرجل الرأس هو الذي ملأ بنفسه فمه بالماء، لذا تراه كلما وجب اتخاذ موقف، يتوارى وراء الرئاسة كأنما يقول إن هذه الرئاسة تشتغل وتنطق من تلقاء نفسها، ولا مسؤولية حصرية تقع عليه.
لكن وجه التحايل وترحيل المسائل الجوهرية من موعد الى آخر، يظهر من خلال الوعد الكاذب، والتذكير السخيف بأن جلسة ما يُسمى “المجلس المركزي” التي ستنعقد قريباً، ستتخذ “القرارات المناسبة” حول التصعيد الإسرائيلي و”الصمت الدولي والأميركي”. هنا، ليس بمقدور المخيلة أن ترسم صورة لتحقق مثل هذا الوعد، لأن المجلس المذكور نفسه ليست له صورة، وحتى إن أصدر نَصّاً، فلا يعرف جدواه، وما إذا كان توصية أو قراراً أو وجهة نظر قيلت في محض جلسة. معنى ذلك أن ما صدر عن الرئاسة، ليس إلا كلاماً لتضييع الوقت، بينما تجري على قدم وساق، تهيئة الحاشية، لأن تتسلم مناصب لعناوين بلا فحوى. فهذا أمين سر اللجنة التنفيذية، وذاك يبقى في اللجنة حتى الموت، وثالث يتسلم رئاسة برلمان المنفى، دون أن يكون هناك مجلس وطني يشتغل، أو منصة للتشاور، أو شراكة لأحد، في اختيار من يشغلون مناصب العناوين.
 ما فعله الإحتلال فجر اليوم، في حي الشيخ جراح، كان له ما قبله، على مر سنوات، في زمن عباس نديم السلام الموهوم. فقد بدأ الإعتداء على حق السكان في البقاء في بيوتهم، عندما باعت الجمعيات الاستيطانية “حقوقاً” في أرض لا تملكها، إلى شركة “نحلات شمعون” المعنية بالإقتلاع وطرد السكان. وحدث إخلاء بالقوة لأسر من عائلة الكرد في الحي، في سنة 2008. وفي السنة التالية أخليت أسر من عائلتي الغاوي وحنّون. وفي سنة 2020 وفر الإحتلال التغطية القضائية لطرد الناس من منازلها، وتوالت قرارات إخلاء السكان، ولما اندلعت الهبة الشعبية في القدس؛ تراوحت عملية الإخلاء القصري بين الإرجاء والعودة الى المحاكم. أما على الجانب الآخر، فقد ظل عباس ينتظر إعادته الى مفاوضات، كان هو نفسه من أعلن عن لا جدواها واستنكف عنها، ثم أصبح يتوسلها وبينما المحتلون لا يرفضونها وحسب، وإنما ينكرون أهلية القضية الفلسطينية، وأهلية عباس، وأهلية العالم كله للتعاطي السياسي معهم في شأن التسوية. فكل ما لدى هؤلاء ينحضر في تصاريح عمل وفي تعديلات على البيانات الشخصية للمواطنين حتى الذين يعيشون في غزة وهم يزعمون أنهم تركوها وانسحبوا.
لو لم يكن عباس شخصاً تُكبله أسرار لقاءاته واتصالاته واتفاقاته الأمنية؛ لكان قادراً على الذهاب الى خيار جديد، يكون في الحد الأدنى على المستوى الأمني. وهذا العجز بحد ذاته، يكشف الحقيقة المحزنة وهي أن شرط بقاء السلطة، هو أن تظل مثلما هي، تطيع وتعطي الإحتلال، دون أن تأخذ شيئاً، أو حتى دون أن يكون لديها القدرة على جلب كامل المستحقات الفلسطينية واردات الجمارك، أو دون القدرة على الكف عن توسل اللقاء مع المتطرفين، في بيوتهم.
لذا، حين ينشر شبحٌ من “الرئاسة” رسالة شجب، مغفلة من التوقيع، رداً على جريمة فظة؛ فإن هذا هو أقصى ما لدى السلطة. وسلطة عباس فاقدة لهوامش المناورة، بسبب سياساته هو نفسه، ما يجعل تطيير الوعد، بإصدار “قرارات مناسبة” رداً على الجريمة، عبر “المجلس المركزي” نوعاً من الكذب الركيك. لقد أصبح من المعيب جداً أن يحضر طرف فلسطيني مع عباس مجلساً أو إنعقاداً. فمن يفعل ذلك سيُحسب عليه أنه شارك في صنع الخديعة المديدة وأسهم في تغذيتها بالطواعية والحضور. ومن لا يصدق هذه النصيحة، عليه أن يتأمل الأوضاع بعد اجتماع الجزائر.

أخبار ذات صلة