كتب عدلي صادق: جاءت كلمة قائد تيار الإصلاح، النائب محمد دحلان، لترسم المشهد الفلسطيني الراهن، وتضع مقاربات الخروج من المأزق، وأهمها مقاربة الديموقراطية، التي تنصف الشعب الفلسطيني وتعطيه حقه في الاختيار، واستعادة مؤسساته الدستورية.
كان الحديث واضحاً في السياستين الداخلية والخارجية، وكان الحشد أوضح في التأكيد على وزن التيار، ولولا محاولات تقليص عدد الأعضاء، لأصبح المؤتمر في قطاع غزة وحده، بألوف الكوادر والناشطين، فالظاهرة تتعلق بحراك اجتماعي وطني، من أجل التغيير، وليست قابلة للاختزال في توصيفات قاصرة.
وقد اتسمت جلسة الافتتاح، وما بعدها، بالنظام البات، وبمستوى مؤتمرات الأحزاب في الدول المتحضرة، على الرغم من كون التيار عبارة عن قطاع منذور لحركة فتح، من الكوادر والمنتسبين الكُثر والجدد، من الأجيال الجديدة، الذين يحدوهم الأمل في استعادة حيوية الحركة التي فجرت الثورة وقادت النضال الوطني منذ أكثر من خمسة عقود.
حملت المناسبة، تقليداً جديداً يتمثل في إحالة الكبار والقدامى، الى منصة الحكمة والذاكرة والنصح الرشيد، لا الى مطارح القيادة اليومية أو مطارح الإملاء. فالشباب الذين استوعبوا الفكرة وفلسفة المشروع الإصلاحي، ينبغي أن ينطلقوا وأن يأخذوا أدوارهم، وأن ينفتح الأفق أمام الناشئة.
ولعل من أسباب الفخر أن الصفوف المتدافعة الى التيار، من كل الساحات، لا تتوخى منافع، فالغالبية العظمى من منتسبي التيار، لا يحصلون على شيء، وكل ما يريدونه هو تجريف الرمال والحجارة، التي وضعت في طريق الأجيال، والظفر بحقوق المواطنة المتساوية، والمؤسسات الضامنة للعدالة، وإنها مرحلة التسلط على الناس والتضييق على الأسر، والتعطيل المتعمد للدورة الاقتصادية، والدخول الى مرحلة جديدة تلبي طموحات عشرات الألوف من الشباب، الذين استريد بهم اليأس، فمنهم من ارتادوا البحر أو قطعوا المسافات التي أوصلتهم الى موريتانيا والمغرب وأعالي البحار، للمجازفة وطلب الهجرة، ومنهم من وضع حداً لحياته يأساً!
بعض التعبيرات التي استخدمها محمد دحلان، من شأنها أن تعطي الانطباع لكل الصامتين المهددين بقطع أرزاقهم، أن هناك من يعبر عن آرائهم بحرية دون أن يقتصر الأمر على الكلام، وإنما بالتحشيد الشعبي وبالمأسسة نقيضة الترهل، وبوضع النقاط على الحروف. فمن أوصلنا الى مرحلة التردي الشامل، ليس إلا ديكتاتوراً صغيراً، وليست صنائعه إلا محض أسماء مكتوبة بالطباشير على لوح أسود، يسهل محوها، بإرادة المجتمع، ومن لا يقتنعون عليهم أن يقبلوا التحدي والذهاب الى الصندوق. أما إن ظن عباس أن ترسيم أوضاع السلطة بلا نصاب وتفويض، بالتوافق مع الإسرائيليين والأمريكيين، سيضمن استمرار الحال على ما هي عليه؛ يكون مخطئاً جداً، مثلما أخطأ عندما ظن أن إقصاء دحلان، سيكون مثل إقصاء غيره، ممن يجلسون في بيوتهم الآن، ونسيت أسماؤهم، أو إنه سيكون شبيهاً بإقصاء اللجنة المركزية التي حدد أسماء أعضائها في مؤتمره الذي أسماه عاماً وسابعاً، ثم جهلها أدنى تأثيراً من مقربين منه، ليسوا من حركة فتح!
المؤتمر الانتخابي في ساحة غزة، بصدد الخروج بطبقة سياسية جديدة، تمتلك العزم على الاستمرار في مشروع التغيير واستعادة وحدة الحركة، على غير ما يريده عباس والحلقة الضيقة التي معه.
الموقف الآن، أن الرجل، يرى في الانتخابات العامة، كابوساً، وذلك لسبب واحد، وهو أن أية انتخابات عامة، ستؤسس لمشروعية دستورية للفتحاويين مرشحي التيار، وهؤلاء ينتقلون الى مرحلة جديدة، فيها انفتاح على الطبقة السياسية الفلسطينية، التي ما يزال بعضها أو أكثرها، يخشى من هذا الانفتاح لأسباب عدة، لكن رجلاً واحداً، معلومة ذمائمه، مع حلقة ضيقة، تنفذ تعليماته، لن يوقفوا مسار التاريخ، ولن يحكموا على حركة كبيرة، وعلى شعب، وعلى وطنيين لا حصر لعددهم، بأن يظلوا على هذه الحال البائسة.