كتب: توفيق أبو خوصة:
شئنا أم أبينا أمريكا بصفتها القوة الأعظم في العالم تعمل على الدوام من أجل حماية مصالحها ومصالحها فقط، تتدخل في أدق التفاصيل وتحشر أنفها في صلب الشؤون الداخلية للدول الأخرى، وذلك بنسب متفاوتة، قامت بانقلابات وأطاحت بحكام وحكومات، تحاصر وتقتل وتسرق وتنهب خيرات وثروات الشعوب بلا حساب، غالباً ما تنجح ولكنها تلاقي أحيانا فشلا مدويا في سياساتها ومخططاتها.
هذه الدولة التي قامت على قيم الاستيطان وقتل وإبادة شعوب بأكملها من السكان الأصليين “الهنود الحمر”، وممارسة أبشع أنواع العنصرية والاستعلاء على ذوي البشرة السوداء من أصول إفريقية، ما زالت تواصل العمل بمنطق البلطجي الدولي وتعزز دور البلطجي الوكيل وتمنحه للكيان الإسرائيلي في منطقة الشرق الأوسط الذي يسير على ذات المنهج ويكررذات التجربة بأشكال متعددة ويجد الدعم والحماية والرعاية الكاملة من الإدارات الأمريكية المتعاقبة.
أما عن هندسة القيادات على الطريقتين الأمريكية والإسرائيلية، فهي تتم بأساليب عديدة، إذ كما كان اغتيال الزعيم الخالد أبو عمار جزءاً من هندسة القيادة الفلسطينية بصورة أو أخرى، وسبقه على الدرب الشهيدان أبو جهاد وأبو إياد وغيرهما من رموز الثورة الفلسطينية، وهكذا عمليات الإرهاب الإسرائيلي المنظم التي طالت الشهداء الشيخ أحمد ياسين وعبد العزيز الرنتيسي وإسماعيل أبو شنب وأبو علي مصطفى، واعتقال القادة مثل مروان البرغوثي وأحمد سعادات، فقد كان من أهدافها تمهيد الطريق لبروز قيادات أخرى للواجهة.
وفي كل مرحلة تقترب القيادات الجديدة أكثر باتجاه الفهم الأمريكي والرؤية الإسرائيلية، والنماذج على المستوى العربي لا تخفى على أحد “الرئيس المصري جمال عبد الناصر، الرئيس العراقي صدام حسين، الملك فيصل بن عبد العزيز، والرئيس الليبي معمر القذافي”.
أما على الصعيد الدولي، فإن هندسة القيادات والرؤساء عبر البوابة الأمريكية تبدأ ولا تنتهي، تحت حجج ومعاذير وشعارات الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان والعدالة، إن التدخل الأمريكي في ثنايا حياة الشعوب يصل إلى اختيار رؤساء منظمات أهلية وتوفير الدعم اللازم لتمكينهم واستخدامهم في تنفيذ سياساتها وتمرير مخططاتها بطرق مباشرة أو غير مباشرة.
لكن بالرغم من ذلك هناك نماذج كثيرة ظلت خارج العباءة الأمريكية مثل الصين وروسيا وكوبا وفنزويلا وكوريا الشمالية، وهنا لست بحاجة لإقناع أحد بأن جماعة الإخوان المسلمين جزء من أدوات التوظيف والاستثمار الأمريكي، ولا أدل على ذلك من دورها البارز في ثورات الربيع العبري التي شكلت أرضية خصبة وتهيئة موضوعية لصفقة “ترامبياهو” وتداعياتها المتواترة على مستوى المنطقة العربية، وجوهرها تصفية القضية الفلسطينية ليصبح الوكيل الإسرائيلي السيد والحامي وحامل مفاتيح الشرق الأوسط.