بقلم: مصطفى إبراهيم
التوحش والسياسة العدوانية التي تمارسها دولة الاحتلال والجرائم التي تركب بحق الفلسطينيين في فلسطين عموما وفي الضفة الغربية وشمالها خصوصاً، هي سياسة قديمة جديدة، لا فرق بين زعيم وآخر أو زمان محدد، أو حتى الأدوات والوسائل، وترتكب بدون أي اعتبارات لقانون دولي، أو معايير أخلاقية وإنسانية التي تدعي أنها تحتكم إليها.
صباح اليوم الأحد استشهد تامر الكيلاني أحد قادة مجموعات “عرين الأسود” بواسطة دراجة نارية مفخخة، داخل البلدة القديمة في مدينة نابلس، ولم تعلن دولة الاحتلال مسؤوليتها عن استهداف الكيلاني. يأتي اغتيال الاحتلال الإسرائيلي للشهيد الكيلاني في سياق الجرائم التي ترتكبها قوات الاحتلال، وعملية التحريض المستمرة، ومخطط مواجهة مجموعات “عرين الأسود” أكثر المجموعات الشعبية والمحبوبة في فلسطين، ومحاولة الاحتلال وقف زخم المقاومة والاخفاق والفشل الأمني للقضاء عليها.
ولأجل ذلك وكعادتها تقوم دولة الاحتلال، باستخدام الدعاية الموجهة أو ما يعرف إسرائيليا بـ “الهسباراه”، للتضليل والشك، وكي وعي الفلسطينيين وردعهم، واتباع سياسة الغموض حول المسؤولية عن اغتيال الكيلاني.
وبدأ الاعلام الإسرائيلي الموجه بنشر وضخ المعلومات وتحميله المسؤولية عن معظم العمليات الفدائية، ومحاولة تنفيذ عمليات جديدة كان أعلن عن محاولة تنفيذها سابقًا، وشارك في عمليات إطلاق نار استهدفت قوات الأمن والمدنيين في الأسابيع الأخيرة. وعادة ما يقوم “الشاباك” بتزويد وسائل الاعلام الإسرائيلية بالمعلومات لتناول إنجازاته، بدون الاعلان رسميا عن مسؤولية الاغتيال.
اغتيال أحد ابطال مجموعة “عرين الأسود”، هي عملية مخطط لها، ومعلوم أن عمليات الاغتيال إجراء يؤخذ في ظروف موضوعية معينة، ويتم بقرار سياسي، والموافقة عليه من قبل المستوى السياسي.
سياسة الاغتيالات، وهي سياسة إسرائيلية اجرامية قديمة جديدة، تتوقف لأسباب معينة، وتعلن عن تنفيذها بطرق مختلفة، عندما لا تستطع القيام بالقتل بشكل مباشر، وعدم قدرتها على ذلك الا بهذه الطريقة الإجرامية ولأغراض مختلفة.
هذا التغيير في السياسة المتبعة، خلال الفترة الماضية والتي كانت تقوم بها منذ العام 2000، واغتيال عدد كبير من كبار المناضلين الفلسطينيين، قرار اغتيال الشهيد الكيلاني، وتمارس فيها إسرائيل سياسة الغموض، وعدم الاعتراف رسميا بذلك، يؤشر لتغيير إسرائيلي في سياستها والعودة لسياسة الاغتيالات. والمقاومة بحاجة لاتخاذ إجراءات حماية وحذر أكثر من قبل المقاومة، وقد تلعب الأجهزة الأمنية دور في حماية المقاومين، بدل من مساومتهم على الاستسلام ووقف مقاومتهم، وهي فرصة للأجهزة الأمنية ان تقوم بدور الحماية بدل من الملاحقة.
ومواجهة الوحشية الإسرائيلية وعمليات القتل اليومي بحق الفلسطينيين، واحصاءات وزارة الصحة الفلسطينية تفيد أن 177 فلسطينيا استشهدوا منذ بداية العام الجاري 2022، من بينهم 51 شهيدا في قطاع غزة والباقي في الضفة الغربية.
وبحسب الوزارة أن قوات الاحتلال الإسرائيلي منذ بداية العام اعتمدت سياسة الإعدام الميداني بحق للمواطنين، وبشكل يعيد للأذهان فترة ما عرف بانتفاضة القدس “السكاكين” عام 2015، وكذلك العمليات الخاصة في مناطق شمال الضفة التي كانت تنقلها ما بين أعوام 2000 حتى 2006 للقضاء على خلايا المقاومة.
وذكرت في بيانها أن غالبية الشهداء سقطوا بفعل الاقتحامات للمدن في الضفة الغربية، وليس بفعل محاولات أو زعم الاحتلال لشهداء انتفاضة 2015، أنهم حاولوا تنفيذ عمليات طعن على الحواجز وغيرها. ونوهت إلى أن أعداد الشهداء 177 لا يشمل 3 شهداء هم منفذ عملية بئر السبع محمد أبو القيعان من النقب، ومنفذا عملية الخضيرة.
ويتزامن تقرير وزارة الصحة مع نشر مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، تقريره، حول الجرائم التي ارتكبت على اثر عملية سيف القدس وهبة الكرامة العام الماضي.
وأن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة فرضت حقائق على الأرض لضمان سيطرة إسرائيلية دائمة في الضفة الغربية. وسنوات من الاحتلال الإسرائيلي وسياسات الضم الفعلية، وتأثير ذلك على حقوق الإنسان للفلسطينيين، وهدم المنازل وتدمير الممتلكات، والاستخدام المفرط للقوة من جانب قوات الاحتلال، والعنف من جانب المستوطنين، والاعتقال الجماعي، وتأثير الحصار الجوي والبري والبحري على غزة.
إسرائيل ترتكب الجرائم دون خجل، وأكثر فتكًا ووحشية، وهو يأتي في سياق ما يقوم به رئيس الحكومة الإسرائيلية يائير لبيد، ووزير الأمن بني جانتس، في ارتكاب الجرائم وهو تعبير عن رؤيتهما والحكومة التي لا تختلف عن سابقاتها في تعميق الاحتلال والاستيطان وتعزيزه، ورفص الحديث عن أي مسار سياسي.
ومع ذلك لا تزال القيادة الفلسطينية في انتظار حكومة إسرائيلية جديدة يقودها لبيد الذي يحاول الفوز برئاسة الحكومة على دم الفلسطينيين، والادعاء بتحسين واقع الفلسطينيين في الضفة بتسهيلات اقتصادية، وهي عبارة عن وهم وحالة من العبث السياسي المستمر منذ ثلاثة عقود.
ومع هذه التغيرات الجارية في الضفة الغربية والرسائل التي ترسلها المقاومة في شمال الضفة الغربية، يبدو أنها لم تصل للمستوى السياسي الرسمي الفلسطيني، وضرورة إعادة النظر في العلاقة مع الاحتلال العسكري، وتجاهل هذه المتغيرات وازاحة المقاومة عن جدول أعمال القيادة الفلسطينية.
وحقيقة انكار الاحتلال الإسرائيلي أن ملايين الفلسطينيين يعيشون تحت احتلال إسرائيلي عسكري فاشي ونظام تمييز عنصري، يرتكب جرائم حرب يومية، في ظل تواطؤ الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوربي والدلو العربية، وتسهيل مهمة دولة الاحتلال في التوحش، ومساعدتها في غياب المساءلة وسياسة الإفلات من العقاب.