كتب د. طلال الشريف: لو رجع الآن ياسر عرفات للحكم ومعه ألف عرفاتي لن يستطيعوا لم الشمل الفلسطيني والنهوض بالحالة الفلسطينية كما كانت على الأقل أيام الاحتلال أو أيام حكم السلطة الوطنية قبل الانقسام الفتحاوي وقبله الاقتسام الوطني.
لقد وصلنا بأيدينا أو بأيدي غيرنا لمحطة تحول فيها الصراع الفلسطيني البيني من هدف التحرير إلى أهداف خاصة بكل حزب أو حركة أو تنظيم أو ميليشيا أو مستقل أو ممول خارجي، فالصاروخ أصبح مستخدما لهدف خاص والمركزي أصبح مستخدما لهدف خاص والتهدئة لهدف خاص والهدنة لهدف خاص والمفاوضات لهدف خاص والتنسيق الأمني لهدف خاص وحتى جولات المصالحة لهدف خاص وتصاريح العمال لهدف خاص والتلاعب بالقضاء لهدف خاص والعلاقات بين الأحزاب والتحالفات الحزبية لهدف خاص وال NGOs لهدف خاص وحتى علاقة المواطن بالتنظيم لهدف خاص وما أطول القائمة من التجارة والماء والكهرباء والخدمات وحتى الزواج والفرح والعزاء والزيارات والمواصلات والشوارع والأعلام والرايات .. إلخ إلخ كلها تفوح منها المصلحة الخاصة والحزبية والعائلية وليست بها ما يدل على المصلحة العامة أو هدف التحرر.
ماذا يريد السياسيون الفلسطينيون المتفاعلون في الحالة الفلسطينية؟
وهنا السؤال للطبقة السياسية وليس للشعب فالشعب يعرف ما يريد ولكنه غير قادر على دفع تلك الطبقة الميليشياوية للخلف بعد تأكيد فشلها ذاتيا وموضوعيا ولأن الشعب غير قادر على ذلك يبقى النقاش متعلق بهؤلاء المشتبكين داخل أحزابهم والمشتبكين مع منافسيهم في الساحة الفلسطينية ولذلك ترى الجميع لا يعجب الجميع ويتصارع معه لأن هدف التحرر الحقيقي خرج بلا عودة وحل محله الخاص والحزبي أي السلطة والمال .. وضع من أكثر الأوضاع سوءا للقضية الفلسطينية على مر التاريخ.
ما كشفت عنه “موقعة” اجتماع المجلس المركزي لمنظمة التحرير الأخيرة ونتائجها تظهر حالة مرضية متقدمة تنبئ بمضاعفات لا ينفع فيها حتى العلاج الكيماوي ولا عمليات الاستئصال ولا حتى بتشييع عباس لمثواه الأخير فهناك ألف عباس في طريقهم للمقصلة بهذا النتاج الحالي للحركات والأحزاب الفلسطينية وسياسيي الأزمة الممتدة من أوسلو مرورا بالانقسام الفتحاوي والاقتسام الجغرافي بين حماس وعباس ونشوء ميليشيات جديدة تضاف للميليشيات المزمنة لأن الجميع يتصرف كميليشيات وليس كأحزاب حقيقية سواء في التنافس الداخلي في داخل كل ميليشيا على حدا أو في قواعد التنافس البيني بين تلك الميليشيات ونظيراتها في الساحة الفلسطينية.
ولكي نستنبط مآل هذه الصراعات التي ستحدد الحالة الفلسطينية القادمة لابد من اعتماد مقاييس الصراع بين ميليشات وليس بين أحزاب بعد أن ثبت أن هذه الأجسام تتمتع بصفات الميليشيا التي نحددها كما يلي:
١– القضية المتنازع عليها داخل كل ميليشيا وكذلك بين الميليشيات الأخرى ونظيراتها هي السلطة والمال وليس التحرر والاستقلال بالمفهوم القديم حيث حٌدد مستقبل التحرر والاستقلال سلفا بصفقة ترامب… لاحظوا صراع حماس وفتح ولاحظوا صراع خلفاء عباس في فتح.
٢– التبعية لمعاون خارجي فكريا أو ماليا يتحرك الأشخاص أو الأجسام حسب أجندات المعاونين المتداخلين في الشأن الفلسطيني وهم كثر وليس في ميليشياتنا من هو خارج التبعية للمعاونين الخارجيين فأقلهم تبعية من يتبع مصدر مالي ضعيف.
٣– التعبئة الميليشياوية تتمحور حول أهداف آنية لهزيمة الآخر والآخر هنا ليس هو الاحتلال، بل المنافس على السلطة، أو استئصاله لفتح الطريق لتكبير الذات للوصول للسلطة أو لمكاسب أقل في حال عدم التمكن من السلطة العامة لوجود أو ظهور ميليشيا أقوى، أو ظهور شخصيات أقوى داخل ميليشيته ليحل في الموقع وهو ظاهر للعيان في كل ميليشيا في الصراع على الموقع التنظيمي الداخلي الأقوى.
٤– الاستقطاب الحادث أو الجاري منذ أكثر من عقدين لجذب الجمهور لأي من تلك الميليشيات هو مبني على قاعدة المنفعة المالية المغطى بشعار الديمقراطية أو التحرر، والتحرر كما أسلفنا قد تم تحديده مسبقا بصفقة ترامب، التي جاءت بعد عمليات شتى داخل المجتمع الفلسطيني وتغييب المؤسسات التمثيلية والتقسيم والانقسام على المستوى الجغرافي وداخل الأحزاب ذاتها قبل تحولها لميليشيات.
٥– التحالفات والاستقطابات البينية الجديدة وتناقضاتها بين الميليشيات بنيت على نفس القاعدة التي ذكرناها وهي السلطة القادمة والمال سواء داخل المنظمة أو خارجها أو بمعنى الموالاة والمعارضة بين الأحزاب والتي انتفت صفتها الحزبية السياسية بتحولها لميليشيات وغياب البعد السياسي وإحلال مكانه البعد المصلحي ومكاسب المرحلة والاستزلام والانتقام من الآخر، وليس لمحاربة الديكتاتورية فجميعهم ديكتاتوريون ينتظرون دورهم في السلطة ليمارسوا نفس الديكتاتورية والقمع وأبشع …
٦– عملية التحول للصفة الميليشياوية لمجموع خارطة الاحزاب السياسية السابقة قد مرت بمراحل قادتها دول ومؤسسات ولعب المال السياسي دورا أساسيا فيها للوصول للتنازلات وليس للتحرير وتم تجهيز المسرح للانطلاق بغياب أو تغييب عباس كنقطة تحول زمنية للمستقبل الغامض وليس لأن عباس حامي حمى فلسطين.
باختصار المنظمة أو حماس أو الجهاد أو الشعبية أو عباس ومن تبعه بعد اجتماع المجلس المركزي جميعهم في حالة هبوط اضطراري غير مرتجع بأيديهم أو بفعل فاعل نحو ما قررته الولايات المتحدة واسرائيل لمزرعة ترامب المحددة بوضوح صارخ وباقي ما نتحدث جميعا عنه هو تفاصيل غير قابلة للتغيير أو تغيير المسار وأنا غير مندهش من ذلك فكل شيء حدث أمامنا ونراه في تحوله بوضوح ولا يحتاج ذكاء خارقا ونبهنا منه طويلا .
الرؤية اكتملت، الجميع يتصارع على المزرعة وشوية المصاري والحكم ..جماعة مثل جماعة عباس واضحة وجماعة مثل جماعة حماس بيغطوها بشعار المقاومة وتغيير الديكتاتورية وهم في طبيعتهم أكثر ديكتاتورية حد الظلام .. نحن أمام خيارين الأول من يسرق القرشين والحكم والحرية “وبس” والثاني يسرق القرشين والحكم والحرية ويودينا ويودي أولادنا عالجنة أو النار ..
المعجزة المتوخاة لم تعد في تلك الميليشيات أو هؤلاء السياسيين، بل هي في شعبنا إذا ما تبقى من معجزات في الدنيا للشعوب ليقلبوا تلك الصفحة فالخسائر القادمة حجمها وثمنها واحد بالجملة أو بالتقسيط ..
رؤيتي للحالة الفلسطينية التي قد تستمر هكذا 50 سنة أخرى هي غير مرتبطة بموت عباس فالمقصلة مفتوحة على مصراعيها للحروب البينية والخارجية بل هي مرتبطة بميليشيا أو بشخص شجاع عملياتي يبدل ال 50 سنة ب 5 سنوات للوصول للأسف لتلك المزرعة، أو تكون المعجزة بقيامة شعبنا ونفض هذا العبث الذي تمكن للأسف من رقابنا جميعا.