- كتب عدلي صادق: يقلقني هذا الشتاء في فلسطين وبلاد الشام ومصر. ما أقسى البرد على من تصعب عليهم التدفئة. نلهج بالدعاء: اللهم سُقيا رحمة لا سُقيا عذاب…ولا بلاء ولا هدم ولا غرق.. نردد دعاء النبي عليه السلام: اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الآكام والظّراب (أي ما يرتفع بجوارنا من الأرض وما ينبسط) .. اللهم على بطون الأودية ومنبت الشجر!
اللهم دفئاً وصبراً لشعب سوريا في مخيمات شتاته، وفي وطنٍ بلا كهرباء أو مازوت وخبز.. اللهم دفئاً لشعب فلسطين في كل حصاراته، ودفئاً يا رب لفقراء هذه الأمة..
في منتصف أكتوبر 1971 نُقلت الى سجن بئر السبع الصحراوي قبل أن تكتمل أبنيته. كان مهجعنا الكبير مسقوفاً بالقرميد، ويسمونه بالعبرية “محانيه” أي المعسكر.
من مشغل العمل في الخياطة، الذي كان، جلب الشباب الإبر والخيوط. آخرون جلبوا من أوعية القمامة أكياس البلاستيك الكبيرة الفارغة، التي رميت بعد إفراغها من مسحوق الحليب. ولما دخل الشتاء وهبت الرياح الصحراوية شديدة البرودة، لم تكن البطاطين الأربعة الرقيقة القديمة، تقي من البرد. اثنتان منهما لهما وظيفتان، واحدة تكون وسادة تأخذ ارتفاعها المناسب، تحت الرأس، بالحذاء أو المداس، والأخرى كانت مهمتها الأصعب، أن تؤدي وظيفة الفرشة. فماذا بعدئذ ستفعل الإثنتان المتبقيتان؟
اشتغلت الإبرة لصنع غطاء يوفر دفئاً أفضل قليلاً: كان المرحوم أبو جهاد (علي أبو الكاس) والمرحوم علي بصلة يضمان البطاطين، إثنتين اثنتين، وبين كل اثنتين، راقة من الأكياس البلاستيكية، لإحباط نفاذ الهواء البارد، ثم يجري التخييط لتثبيت الخليط، لعل الإثنتين مجتمعتين وبينهما الأكياس، تشكلان بطانية واحدة ثقيلة نسبياً، وأكثر مناعة!
أتذكر تلك اللحظات، كلما طالعت نبأ طفل سوري أو فلسطيني يرتجف… اللهم سُقيا رحمة لا سُقيا عذاب!