اجتماع القاهرة الأخير بين وفدي فتح وحماس انعقد ثم انفضْ، وهو يبحث فرضيات استثنائية قدمها الوسطاء للطرفين لكي يخرجوا بأجوبة تساعدهم (أي الوسطاء) على تجاوز شروط نتنياهو المزعومة للتوصل إلى صفقة. ونقول المزعومة، لأن شروط رئيس حكومة حرب الإبادة، هي محض ذرائع للتملص من وقف الحرب التي يعني نهايته.
موضوع المصالحة كان مجرد عنوان، ولهذه العنوان العديد من الوثائق التي أهملها الموقعون عليها، ولا يحتاج الأمر إلى حوارات. وربما يكون الوسطاء يرغبون إسماع إسرائيل وحلفائها، عبارات معتدلة من حماس وحركة الجهاد، وفي هذا الاحتمال محض اجتهاد، لأن من يشنون حرب الإبادة بكل هذا الإجرام وهذه السفالة، لن تقوم الصفقة معهم بالاعتدال، وإنما بالضرب على الرأس يومياً وبخسارة الضباط والجنود.
في الحقيقة أصبح واضحاً أن نتنياهو والذين معه، يريدون استثمار 7 أكتوبر للتخلص من الطرف الفلسطيني السياسي الذي يطالب منذ نصف القرن بالتسوية على أساس حدود 67. فقد أصبح من بين أهداف العدو التخلص من هذا الطيف. ومن المفارقات أن الطرف الفلسطيني الذي يقاوم بضراوة، هو الذي سينقذ الطيف الفلسطيني الذي يتوسل التسوية، من خلال إلحاق المزيد من الخسائر في جيش الاحتلال، حتى يضطره إلى التراجع عن شرط شطب عباس أو منظمة التحرير. وبعد التوصل إلى صفقة ستكون هناك طرق عدة لمنع حماس من الحكم، لا سيما بعد أن تؤمن الصفقة استعادة إسرائيل أسراها.
نتنياهو والمهووسون الذين معه، يعرفون يقيناً أن قيام دولة فلسطينية على أراضي 1967 لن يتهدد إسرائيل في شيء، حتى لو لم تحصل إسرائيل ضمانات. فهؤلاء عندما يثرثرون ويتحدثون عن خطر وجودي من قيام دولة فلسطينية؛ يمارسون نوعاً من الكذب المكشوف والمتعمد، وهدفهم استكمال الضغط على الضفة بهدف إفراغها من سكانها، ومن ثم التطلع إلى أرض جديدة في المنطقة. فلو كان الحكم لعباس أو لأحد من خياراته أو من خيارات سواه، فإن اطمئنان إسرائيل على أمنها، لن يقل عن اطمئنانها لقبرص وللرئيس خريستو دوليدس.
الخطر على الشعب الفلسطيني وعلى الجوار العربي، يستوجب الاستمرار في المقاومة لإجبار هؤلاء المهووسين الأوساخ على التخلي عن أحلامهم الشريرة ومعرفة حجمهم الحقيقي بالمعيار التاريخي، الذي لن تزيده الصناعات العسكرية الأمريكية، علواً في الأرض.
لن نتحرج من القول، أن نتنياهو ومن معه، عندما طالبوا بتحييد عباس ومن معه، استأنسوا بردات فعل مريرة سُمعت وتسمع أثناء هذه الحرب ضد حماس وعباس والفصائل. فقد رأوها فرصة، لنزع الصفة السياسية عن أي مكون فلسطيني. وأغلب الظن أن العدو أراد استثمار هذه الظاهرة الاستثنائية العابرة، لكي يربح رأياً عاماً فلسطينياً ليس لديه رهانات ومطامح، تتجاوز الرغبة في الحياة الآمنة بغير سياسة. وهذه الفرضية أيضاً معطوفة على ركام من الخزعبلات العبيطة التي سيطرت على عقول المتخلفين من حلفاء نتنياهو. بل إن هذه هي المرة الثانية، منذ “أوسلو” التي يتداول فيها حكام العدو الحديث عن هكذا أمنية. ففي بدايات تطبيقات اتفاق “إعلان المبادي” شوهدت الكثير من اللقطات الفلسطينية التي جعلت ساسة الصهيونية يتحدثون عن ظهور وشيك، لـ “فلسطينيين جُدد”. وبعد اكتوبر 2000 تبددت آمالهم في ذلك.