كتب: عدلي صادق:
نشرت الصحافة الإسرائيلية، خبر استقبال يئير لبيد، وزير خارجية إسرائيل؛ حسين الشيخ مندوب عباس المكلف بملف التصاريح وتسهيلات المرور. وكون لبيد يحمل صفة وزير الخارجية، فإن الشيخ بقدم مختصراً لرواية من سطرين، تقول إنه بحث مع لبيد “عدة قضايا سياسية وثنائية”، وأنه “أبرز الحاجة إلى أفق سياسي بين الطرفين على أساس الشرعية الدولية”!
لم يعلق مكتب لبيد على السطرين، لكن لبيد نفسه، وهو يستعد لأخذ دوره في رئاسة الحكومة الائتلافية، أكد على التزامه عدم التحدث مع الجانب الفلسطيني في السياسة، وعلى أنه سيبقى، بعد تناوب التحالف، داعماً للاتفاق الذي تم على أساسه تشكيل الحكومة، وجوهره السياسي “منع الذين يدعمون حل الدولتين، من التفاوض مع الفلسطينيين إذا كانوا لا يريدون أن ينهار التحالف”. وهذا الجوهر، يُحرّم على أيٍ من أعضاء الحكومة “القيام بأي خطوات دراماتيكية، عندما يتعلق الأمر بالفلسطينيين”.
في الأسبوع الماضي، أعاد نفتالي بينيت، رئيس وزراء إسرائيل التأكيد على انسداد تام لأفق التسوية السياسية فقال “ليس هناك سبب يضطرني الى خداع الفلسطينيين وفتح عملية دبلوماسية معهم، لا يوجد خلفها تحالف.. إن هذا من شأنه أن يضر بمصداقيتنا، وهو أمر نتحاشاه”.
واستطرد مُشدداً على رؤية حكومة الإحتلال لأقصى ما يمكن أن يقدمه لعباس، خارج دائرة القضية والمسار السياسي، فقال “أعتقد أن الأعمال والاقتصاد والوظائف هي الطريقة الأكثر استدامة لتحقيق الاستقرار”!
وفي معرض التذكير بالصيغة التي يعلل بها موقف الحكومة التي تمارس القتل الإرهابي؛ استطرد نفتالي بينيت قائلاً “علينا أن ندرك حقيقة وجود تهديد إرهابي حقيقي من الفلسطينيين لإسرائيل، وقد رأينا ذلك مرارًا وتكرارًا، وحتى في الأسابيع القليلة الماضية. ومن جانبنا، نحن هنا إيجابيون للغاية بشأن الازدهار. أما السلام الذي نؤمن به، فهو السلام بين الشعوب”!
أمام هذا الإطار الواضح لرؤية حكومة بينيت؛ يصبح نوعاً من الإستهبال حديث حسين الشيخ عن كونه تحدث عن “شرعية دولية” يتأسس عليها “أفق سياسي”. والشيخ، بالطبع، لن يقول لأي وزير في حكومة بينيت، إن من يمارس القتل هو جيش إسرائيل ومستوطنيها، كذلك لن يجرؤ حتى على القول إن “الإرهاب” الفلسطيني الذي تتحدثون عنه، يزول بزوال أسبابه، وهو الاحتلال والاستيطان وسد الأفق أمام حل الدولتين”!
مسألة “الأفق” السياسي التي يزعم حسين الشيخ أنه نوَّه إلى الحاجة إليها، كانت وما تزال، عند هذه الحكومة، أكبر من عباس وليس من حسين الشيخ وحسب. لكن من طبائع هذا الأخير، التي يعرفها من يعرفونه، أنه مدعٍ وكذوب حتى وهو يروي حكاية اجتماعية. فالرجل أصغر حتى من أن يكون موضوعاً في الحديث عن خلافة أو أية مقاربات تتعلق بها، ليس لأن عباس لا يملك توزيع إرثه وحسب، ولا لأن الشعب الفلسطيني وعناوينه الرئيسة ليست ملكية لعباس ولأنفارٍ معه وحسب؛ وإنما لأن وظيفة الشيخ التي تغذي أوهامه؛ مارسها بكفاءه، عبر أكثر من نصف القرن، مخاتير القرى وبعض رؤساء المجالس المحلية، منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر، دون أن تقترب “جهودهم” من موضوع القضية. بل إن الإحتلال نفسه، كان على مستوى التسهيلات، يفتح الطريق لسكان غزة، لكي يتنزهوا في طبريا والجولان، على أمل أن يهنأ الناس في الحياة تحت الإحتلال، ويتحول المجتمع الفلسطيني الى مخزون للأيدي العاملة التي تحتاجها إسرائيل. فلم يخترع حسين الشيخ جديداً. لكن الرجل يزف البشائر عن ألوف بطاقات الهوية، بطريقة تعديل قاعدة المعلومات في حواسيب إسرائيل، لكي يتناقص عدد الأسر المشتتة بين الخارج والداخل، والأسر التي تعيش في وطنها، وفي بيوتها، بدون بطاقات تعريف، دون أن يُسمح لها بتسجيل مواليدها في سجل النفوس. فقد كان وضع الأسر المحرومة من بطاقات التعريف، أشبه بحال الإقامة الجبرية؛ وكان انهاء محنتهم، عملاً يستطيع عباس أن يجعله توطئة سريعة قبل الحديث مع إيهود أولمرت رئيس الوزراء الأسبق، أثناء تردده للتباحث معه في بيته، لو كان عباس يعرف أو يشعر بالبعد الإجتماعي للسياسة.
لا نعتقد أن ثقافة حسين الشيخ تساعده على إدراك عناصر أو مستلزمات إنتاج رواية سياسية ـ ولو قصيرة ـ من جلسة مع يئير لبيد. فمن حيث الشكل، تتطلب الجلسة وجود وفدين، وليس شخصاً يطلب لقاء، لتطيير انطباعات عن دور سياسي مهم. ويمكن الإكتفاء برياض المالكي مثلاً، إن كان الأمر فعلاً، له علاقة بوظائف “الخارجية”. فـ”الأفق” السياسي الذي يتحدث عنه الشيخ، لا يُباع له ولا لعباس، لأن الأجدر بالنسبة لإسرائيل، بيعه للدول الوازنة في الإقليم، أو لإدارة بايدن، أو للأوروبيين، حتى عندما يكون هذا “الأفق” سراباً. من هنا، يمكن دحض الرواية القصيرة الركيكة، والنصح بوجوب الكف عن الاستهبال.