كتب: عدلي صادق
لم يعثر أحد، في الإفادات التي أعطيت للجنة التحقيق في اغتيال الزعيم الباسل الشهيد ياسر عرفات؛ على كلمة طيبة عن محمود عباس أو حتى على حرف. فمن يراجع الإفادات المنشورة، يعرف يقيناً أن هناك إجماع فتحاوي على أن الرجل كريه في طبائعه، ومكروه في الحركة التي ينتمي اليها، وكاره بالمطلق للشهيد الرمز الباسل ياسر عرفات، إذ ينام ويقوم على فعل النميمة للنيل منه!
قد يسألني أحد: لماذا إذاً، جعلتموه رئيساً؟!
للجواب قصة طويلة، نأخذ منها سطرين، وهي أن وضع السلطة الفلسطينية المدمر، بعد العمليات العسكرية الإسرائيلية لإجهاض انتفاضة الأقصى والانتقام من المجتمع الفلسطيني؛ كانت وجهة المحتلين الاستمرار للإجهاز نهائياً على منظمة التحرير التي كانت قد ارتكبت الخطأ ونقلت كل حيثياتها الى داخل السلطة. فلم يكن هناك سبيل لإنقاذ المنظمة سوى المجيء بأمين سر لجنتها التنفيذية، الذي هو ـ بالمصادفة أو بالأحرى من سوء التدبير ـ محمود عباس، الحريص في الوقت نفسه على استرضاء إسرائيل بكلام الكراهية للسلاح والمقاومة. فقد كان هذا المنحى من توجهات الرجل، أحد الأسباب التي جعلت إسرائيل تقبل بأمين سر اللجنة التنفيذية للمنظمة، لأنه هو الذي سيخلف عرفات وسيتولى إفراغ السلطة والمنظمة حتى من حيثياتها الشكلية، وسيأتي بعدئذٍ بطرطور مثل حسين الشيخ يتسلم المنظمة بطريقة الحارس الإسرائيلي على أملاك الغائبين. (وبالمناسبة، توافقت الإفادات على أن حسين الشيخ كان من أبرز النمامين على الزعيم عرفات)
بعد فقد الزعيم، لم يكن أمام فتح إلا أمين سر اللجنة التنفيذية، لكي يصبح مرشحها للرئاسة. وذلك خيار ارتضاه خصوم عباس قبل الذين ينافقونه. وما حدث ـ بالتوصيف الدقيق ـ أن وجاهة الترشيح، كانت إجبارية. فالمحتلون والأمريكيون (الذين أوقعونا في فخ أوسلو، من خلال مبتدئين فلسطينيين في السياسة وفي ثقافة الدولة، ظنوا أنهم سيصبحون نجوماً)؛ لن يقبلوا بفاروق القدومي مثلا ولا بممثلي الشعبية والديموقراطية في اللجنة التنفيذية، ولا حتى بياسر عبد ربه. لأن أحداً من هؤلاء لم ولن يتواقح ويتحدث عن كراهيته السلاح والانتفاضة.
على الرغم من ذلك نحن أخطأنا، وإن كان بعضنا يقول إن عباس ضحك على ذقوننا جميعاً. أقول ذلك على الرغم من موقفي السلبي من عباس، وخصومتي معه قبل عشرين سنة من أوسلو. فبعض الأصدقاء الحميمين طلب مني أن أعطي رأيي في المرشح، فأجبتهم كتابة لكي يكون الجواب وثيقة. كتبت أن هذا رجل فاسد وذو بطن أجرب، ومتعالي وبذيء ولا يحلل ولا يُحرّم، وذكرت لهم أمثلة حدثت منذ سنة 1968 وعليها شهود ذكرتهم.
أنا هنا، لا أبرر، ولا أنكر أن مهجة القلب الزعيم ياسر عرفات أخطأ وابتلع الطُعم وسمح لعباس بأن يصبح أمين سر اللجنة التنفيذية بينما هو يعرف طبائعة.
لماذا سمح له بأن يحتل ذلك الموقع وما هو الطُعم؟ للجواب سياق آخر…..
صعود عباس الى سدة الرئاسة، على ظهر حركة فتح، كان خيبة من خيباتها الكبرى. وبقدر ما هو عميق انتمائي لهذه الحركة، فلا استطيع تبرير تلك الخيبة. فقط بمقدوري أن أقول إن لكل الأحزاب والأنظمة في التاريخ خيباتها البليغة
ها هي الإفادات التي كانت طي الكتمان، قد نُشرت، ولا ينكرها أصحابها، وهي ترسم إجماعاً فتحاوياً على أن عباس كريه ومكروه وكاره، وما دون ذلك كذب ونفاق. والأطرف أن ما ارتسم يفيد عباس الآن ويرضيه، إذ يبرر له بأثر رجعي، أن ما فعله في كل رؤوس فتح الكبيرة إذ جعل الواحد منهم مثل “خيّال المآتة” وبلا حيثيات، كان جواباً على بغضاء كانوا البادئين فيها.. والأكثر طرافة في الأمر كله، أن “المحنك” وهو يتمرن على الإقصاء، استهدف الأشخاص الذي لم يتقصدوه بالبغضاء، ربما لأنهم فقدوا جغرافيتهم بعد أن سكن فيها خصومهم. فالغادر لا يرعوي!
يجدر بي أن أختم بأخف الطرائف، وهي أن الإخوة الذين انكشفت إفاداتهم الدالة على كراهيتهم لعباس، لم يعد لديهم ما يخسروه إلا رواتبهم، اللهم إلا إن كان لبعضهم بقايا موازنات وامتيازات وتكليفات، وهنا يمكن أن يقع الضرر أو يؤكل الخازوق.