في حربها الإبادية المفتوحة على الوجود الفلسطيني، لم تكتفِ دولة الاحتلال الإسرائيلي بإزهاق أرواح عشرات الآلاف من المدنيين الأبرياء في غزة، بل عمدت إلى استهداف أحد أركان الصمود الوطني الفلسطيني، التعليم، عبر تدمير منهجي لمؤسساته، في محاولة مدروسة لقطع الطريق على فرص إعادة بناء المستقبل. فقد طالت آلة الحرب الابادية الإسرائيلية 1,166 مؤسسة تعليمية، من مدارس وجامعات ورياض أطفال ومراكز تعلم، في اعتداء مباشر على العقل الفلسطيني، بما يمثله من وعي وذاكرة وتاريخ وإرادة وصمود.
وفي هذا السياق، أكد ديمتري دلياني، عضو المجلس الثوري والمتحدث باسم تيار الإصلاح الديمقراطي في حركة فتح، أن الحرب الابادية التي تشنها دولة الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة ليست مجرد حرب عسكرية فقط، بل هي ايضاً حرب إبادة فكرية تستهدف تدمير القدرة الفلسطينية على النهوض، قائلاً: “الاحتلال الإسرائيلي لا يكتفي بقتل شعبنا، بل يسعى لقتل فكرنا ومحو قدرتنا على الاستمرار. ما يحدث في غزة هو جريمة إبادة ثقافية تهدف إلى اقتلاع مستقبل أجيال بأكملها. إن ما دمره الاحتلال من مدارس وجامعات هو ضرب متعمد للعقل الفلسطيني الذي يشكل خط الدفاع الأول في معركة الصمود والتحرر.”
وأضاف دلياني: “الحجم الهائل للكارثة التي لحقت بالقطاع التعليمي في غزة يرقى إلى مستوى الإبادة الفكرية. استشهاد أكثر من 12,800 طالب وطالبة مدرسية، إلى جانب 800 معلم/ة وإداري/ة، وخروج 85% من المدارس عن الخدمة، يعني أن الاحتلال لا يترك أي فرصة أمام الأطفال لممارسة حقهم الطبيعي في التعلم. وفي التعليم العالي، فإن استشهاد 1,200 طالب وطالبة، وتدمير كافة مؤسسات التعليم العالي، يكشف عن نية إسرائيلية واضحة: إلغاء أي إمكانية لنهوض فكري فلسطيني، وحرمان شعبنا من أدوات التقدم التي تمكنه من استعادة حقوقه.”
واستطرد دلياني قائلاً: “هذه حرب ممنهجة على الفكر، والهدف هو تجريد الأجيال القادمة من أي أدوات معرفية تتيح لها بناء مستقبل يتجاوز الاحتلال. حين يدمر الاحتلال الجامعات والمراكز التعليمية عن سبق إصرار، فهو لا يقصف المباني فقط، بل يشن حرباً مباشرة على الوعي الوطني الفلسطيني، ويهدف إلى محو الذاكرة الجماعية، وتفكيك القدرة الجمعية على إعادة البناء، ومحاولة جعل فلسطين كيان عاجز عن التحرر والتقدم.”
وفي تعليقه على وقف العمليات العسكرية ضمن الإبادة الجماعية الإسرائيلية المستمرة منذ 19 يناير، أكد دلياني أن ما تم تدميره في غزة لا يمكن إصلاحه بمجرد وقف إطلاق النار، قائلاً: “قد تكون صوات الأسلحة قد هدأت، لكن حرب الإبادة الإسرائيلية لا تزال تفتك بكل تفاصيل الحياة في غزة. أكثر من 48,000 شهيد وشهيدة، معظمهم من النساء والأطفال، ومدن تحولت إلى أطلال، حيث بات مجرد البقاء على قيد الحياة معركة يومية. الدمار الممنهج الذي تعرضت له البنية التحتية، والتداعيات النفسية العميقة، أكبر من أن تمحوها أي هدنة، ولا يمكن لوقف إطلاق النار أن يعيد الحياة إلى آلاف العائلات التي دمرت بالكامل، أو إلى نظام تعليمي تمت تصفيته عن سبق إصرار.”
وأشار دلياني إلى أن العدالة لا تتحقق بمجرد الملاحقات القانونية الدولية، رغم أهميتها، مضيفاً: “محكمة الجنايات الدولية أصدرت أوامر اعتقال بحق كبار المسؤولين الإسرائيليين، بمن فيهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، فيما تواصل محكمة العدل الدولية نظرها في قضية الإبادة الجماعية ضد دولة الاحتلال، لكن هذه الإجراءات وحدها لا تعيد طلاب غزة إلى مقاعد الدراسة، ولا تعيد بناء الجامعات، ولا تعوض جيلاً كاملاً حُرم من أبسط حقوقه الإنسانية. المعركة ليست قانونية فقط، بل هي معركة وعي وصمود، ومعركة تثبيت الحق الفلسطيني في مواجهة آلة البطش والإبادة الإسرائيلية التي تحاول فرض واقع جديد مبني على محو الفكر الفلسطيني من جذوره.”