عدلي صادق
منذ أن بدأ جيش الاحتلال حرب الإبادة الإجرامية الغاشمة على شعبنا في قطاع غزة، حدد النائب محمد دحلان ومن ورائه تيار فتح الإصلاحي وكثيرين من الطيف الوطني الفلسطيني، موقفهم من حرب الإبادة الجماعية التي شُنت على الآمنين الأبرياء من كافة الشرائح وفئات الأعمار.
وكانت تلك الحرب الغاشمة تحاكي منذ اللحظة الأولى، المنطق نفسه الذي أعلنه جهاراً الزعيم النازي أدولف هتلر ووزير دعايته جوزيف غوبلز، قُبيل بدء الهجوم على بولندا في الأول من سبتمبر 1939، عندما تلقى الجيش النازي، التعليمات بأن يقتل بوحشية ودون رحمة، وألا يكون هناك أدنى قيمة للمعاني الإنسانية.
كانت قراءتنا أن انفجار 7 أكتوبر وقع لأسباب أربعة: الحرب المستدامة التي يشنها الاحتلال منذ سنوات على شعبنا في الضفة الفلسطينية بهدف جعلها طاردة لسكانها، من خلال الهجمات اليومية على البلدات والقرى والحقول والأشجار وممارسة القتل على مدار الساعة، وإطلاق المستوطنين المسلحين، للتوسع في خلق المزيد من البؤر الاستيطانية على جغرافيا الضفة، والتعدي اليومي على شعبنا الآمن، وقطع الطرق وتضييق حركة الناس، والاجتياحات اليومية للمسجد الأقصى، ومشاركة أعضاء من حكومة نتنياهو في هذه الاجتياحات، مع ممارسة أقصى درجات التخلف والهذيان وجموح الأسطورة والتدنيس المستدام لكل ما هو مقدس، والتقصد الوضيع لسلب الناس حقوقهم الإنسانية في ممارسة شعائرهم، في “أقصى” آمن ومصون. وكان رابع هذه الأسباب، أن الدولة الغاشمة التي لا تُخفي حكومتها ما استقرت عليه من إنكار جنوني لحقوق الشعب الفلسطيني؛ ظلت تتبنى موقف رفض التسوية تماماً، بزعم أن الشعب الفلسطيني ليست له قضية، ولا حقوق سياسية له، في الاستقلال والحرية، وأن أراضي 67 ليست محتلة!
بعد ذلك الانفجار الذي تسبب فيه حكومة الاحتلال، سرعان ما ذهبت الى حربها الدموية الإجرامية، عن عقيدة ساقطة تاريخياً في كل موضع من العالم، وهي أن القوة المفرطة ستضمن لهم الأمن الأبدي، وأنها قادرة على شطب القضايا وفرض الخنوع والمظلومية على الشعوب.
منذ اليوم الأول لحرب الإبادة الجماعية الإجرامية المتمادية، أصيب شعبنا بخسائر جسيمة وكارثة غير مسبوقة. استمر الاحتلال في تدمير مقومات الحياة في قطاع غزة، واستهدف العمران والغذاء والوقود والطاقة والطبابة والدواء والنشاط الاقتصادي، وسد منافذ دخول المساعدات الإنسانية الإغاثية، وسد خط السيولة النقدية وأجهز على التبادلات التجارية الطبيعية، واستهدف البنوك وساعد على خلق الفوضى وإشعال الفتن وغير ذلك من وسائل الحرب الشاملة القذرة على المجتمع الفلسطيني برمته.
في تيار فتح الإصلاحي، وكوننا قد حرصنا على ألا نزيد من عدد الفصائل فصيلاً، وعلى ألا نرضخ للمحاولة الغبية لإقصائنا عن حركتنا؛ حرصنا على المراوحة في مربع البُعد الاجتماعي للسياسة من خلال ثلاث عناصر أساسية: الأول هو الوقوف مع شعبنا إغاثياً بقد ما نستطيع، تُعيننا في ذلك مساعدة الأشقاء في دولة الإمارات، والثاني هو التزام الموقف الوطني لجميع الفتحاويين، أي المنافحة عن حق شعبنا في الدفاع عن نفسه بكافة الوسائل والعناصر المتاحة، والعنصر الثالث (الذي كنا قد بدأناه ـ كتيار ـ قبل سنوات) هو تصفير مشكلة الخصومة بين فتح وحماس، التي أدمت قلوب الفلسطينيين خلال سنوات الانقسام المحزن بنتائجه الفادحة، وكنا على هذا المستوى، محض طليعة وطنية فتحاوية، أدركت مخاطر الانقسام، وتحسست المصلحة العليا لشعبنا، وأنهت الخلاف بدون تسويف أو تلاعب أو أكاذيب اتفاقيات ووثائق مصالحة.
هذا هو الموقف الآن. أما الفبركات الإعلامية، التي تحاول أوساط مناوئة تمريرها من خلال عناوين إعلامية أجنبية ثقيلة؛ فلا أساس لها من الصحة. ذلك بمعنى أن النائب محمد دحلان لا يطرح نفسه لأي دور سياسي، بل هو يعارض أية عملية سياسية تُفرض على شعبنا من الخارج، وهو ـ كما الفلسطينيون جميعاً ـ لن يقبلوا حُكما بطريقة الإنزال بالمظلة. فالشعب الفلسطينيي هو الذي يختار من يحكمه. فالنازلون بالمظلة هم الذين يفرضون أنفسهم على الشعب الفلسطيني، ويتمسكون بالحكم أياً كان وأينما كانوا، من خلال وقف أي مسار ديموقراطي وأية انتخابات نزيهة. وهذا هو الموقف في حقيقته.