كتب عدلي صادق: ما يفعلُه المستوطنون في الضفةِ الفلسطينيةِ، ويساندُهم فيه جيشُ دولةٍ عضو في الأممِ المتحدة؛ تترفعُ عنه عصاباتُ الجريمةِ المنظَّمَةِ، ومجموعاتُ الهمجِ في الأدغالِ، وهو أقربُ الى ممارساتِ عُتاةِ الإرهابيين عندما تضيقُ بهم السبلُ، فلا يَجِدونَ أمامَهم سوى إشعالِ النيرانِ في الأكواخِ والأشجار!.
ويَجرِي في موازاةِ ذلك، أن مجموعاتِ ضغطٍ صهيونيةً، تضغطُ في الولاياتِ المتحدةِ، لكي تتحصلَ سلطةُ الحكمِ الذاتي المحدودِ للغاية، على المساعداتِ الماليةِ بشفاعةِ ذراعِها الأمنيةِ. وهذه حقيقةٌ تستحقُ التأملَ، وفي جوارِها خطوطٌ من السلوكِ، تجعلُ اجتماعاتِ الكلامِ الرتيبِ والروتيني، على المستويين العربي والدولي، مخصصةً لوزيرِ خارجيةِ السلطةِ الذي لا يُقَرِّرُ في وزارتِه، بينما اجتماعاتِ السياسةِ والمالِ والعلاقاتِ الدوليةِ، في جوهرِها، يحضرُها العنصرُ الأمنيُ مع عنصرِ ما يُسمَّى “التنسيقَ المدني”. فها هو الذي يحدث، كلما كان هناك داعٍ للمزيدِ من التمكينِ للذراعِ الأمنيةِ أو في محاولاتِ جلبِ المساعدات.
عدوانُ الهمجِ المستوطنين في الضفةِ الفلسطينية، يزدادُ ضراوةً، وليس له على مستوى المجتمعِ، سوى ردودِ الأفعالِ والانفجاراتِ الفرديةِ التي تدفعُ الشبانَ، في ذُرَى آلامِهم وغضبِهم، الى الطعنِ والدهسِ ثم الموتِ، دون أن يكونَ هناكَ ملمحُ تهدئةٍ أو انفراج، أو حتى شكلاً من الإمبرياليةِ التقليديةِ التي تَشعرُ بحاجتِها الى شيءٍ من التعقُّلِ، لكي تهدئ قليلاً من غضبِ المجتمعِ الذي تضربُه في كلِّ ساعة، وتستهدفُ أحرارَه وشبابَه المتعطشَ الى الحريةِ والعدالة.
في حالِ انسدادِ الأفقِ، وانفتاحِ العقلِ على المقاربات؛ يمكنُ أن نتمنَّى على رئيسِ السلطةِ وحلقتِه الضيقةِ الذين يفعلون كلَّ ما يَستَرْضِي دولةَ الهمج، أن يمنحوا أنفسَهم إجازةً مريحةً، فيبادرون الى خطوةِ حَرَدْ، مع طلبِ الاستضافةِ عند أصدقائهم، لريثما يتحركُ العالمُ لإيقافِ هذا الطوفانِ العنصري، ذلك بهدفِ إعلاءِ الصرخةِ التي يقولُ فيها الصارخُ: كيف يمكنُ لنا أن نَحكُمَ وأن نتعاونَ أمنياً، بينما دولةُ الاحتلالَ تدفعُ الينا بمجموعاتٍ من الظلاميين الأشرارِ على مدارِ الساعة، ممن لا يعترفون بالسياسةِ ولا بالتاريخِ ولا بأيِّ صيغةٍ لحلِّ النزاع!
سيُقالُ عندئذٍ إنها مقاربةٌ تدعو الى التخلِّي عن المسؤولياتِ وعن “الثباتِ” في الوطنِ، وهذا قولٌ مُرسَلٌ، تدحضه الحقائقُ اليوميةُ، ولا تؤيدُه الإجابةُ المنطقيةُ عن السؤال: أيهما أفضلُ لهؤلاءِ المحتلين، أن تكونَ هناك رئاسةٌ فلسطينيةٌ و”مقاطعةٌ” بهذه الشاكلةِ، أم رئاسةٌ و”مقاطعةٌ” تحاولُ الاحتجاجَ عملياً وبخطوةٍ دراماتيكيةٍ اضطراريةٍ، تنبهُ العالمَ الى مأزقِها ومأزقِ شعبِها، وإلى أنَّ كلَّ ما بذلته الدولُ، من أجلِ التسويةِ، يُداسُ تحتَ أقدامِ مجموعاتٍ متطرفةٍ وقادةٍ متطرفون وسياساتٍ إقصائية، لا تتقبلُ الشراكةَ في أيِّ صيغةٍ للتعايشِ الإنساني ولا حتى للتعايشِ الأمني؟!
هؤلاء الأوغاد، لا يؤلمون الشعبَ الفلسطينيَ وحسب، وإنما يُحرِجون أولئك الذين منحوهم مزايا التطبيع. فكيف وبأيِّ تعليلاتٍ يمكنُ إضفاءُ ملمحٍ سلميٍ، على الخطواتِ التي شُوهِدَت، وكان الأمريكيون وما زالوا يشترطونها، لكي يستكملوا رضاهم عن هذا النظامِ أو ذاك؟!
في أبسطِ التحليلاتِ وأقلِّها جفاءً لإسرائيل نفسِها، يَصِحُّ القولُ إن سياساتِ إسرائيل، على مستوى الدولةِ والجيشِ وجحفلِ أصحابِ الّلحَى المستوطنين المهووسين، تجتمعُ كلُّها لإفسادِ وإحباطِ كلِّ ما هو إنسانيٌ وسياسيٌ وأمنيٌ، ما يجعلُ الانفجارَ وردودَ أفعالِه الداميةَ من جانبِ الجيشِ المدجَّجِ بالسلاح، هدفاً لهذا النوعِ من الاحتلالِ الذي سيحتقرُه الإمبرياليون القُدامَى أنفسُهم، لو خرجوا من قبورِهم وشاهدوا ما يحدث.