اقرأ أيضاً

بيانات صحفية

إلا محمد دحلان

كتب: توفيق أبو خوصة:
في ظل الأزمة العميقة التي تعاني منها حركة فتح على كل الصعد سياسيا وتنظيميا وجماهيريا، التي حاولت القيادة إنكارها والمكابرة في تجاهلها طيلة السنوات الماضية، ارتفعت بعض الأصوات شعورا بالخطر المحدق لتنادي بضرورة الذهاب بسرعة قصوى إلى لملمة صفوفها وإعادة تصويب البوصلة من جديد نحو إنجاز وحدة الحركة وتصحيح مسارها، حيث تم تشكيل لجنة بقرار لهذا الغرض في أعقاب الاجتماع الأخير للمجلس الثوري ( م 7 )، ومن ضمن ما تم تسريبه عن الوجهة القادمة لها العمل على إعادة كل من تم اتخاذ إجراءات تعسفية بحقهم من قبل الرئيس أبو مازن وقيادة الحركة، والمقصود هنا ما يعرف بتيار الإصلاح الديمقراطي في حركة فتح بشكل أساسي لما يمثله من ثقل تنظيمي وحضور جماهيري في كل ساحات العمل الفتحاوي وخصوصا في قطاع غزة والساحة اللبنانية، هذا ناهيك عن جيش من الكادر والقيادات الميدانية التي آثرت الابتعاد عن المشهد والرافضة لما آلت إليه أوضاع الحركة عموما، غير أن التلويح بشعار أن الجميع مسموح له العودة للحركة باستثناء الأخ القائد محمد دحلان، مثل من يرمي الرمل في الطبخة، إذ أن المشكلة بدأت أصلا وتم افتعالها مع الأخ محمد دحلان ولحق بها ما لحق من تداعيات وإجراءات تعسفية وممارسات انتقامية وملاحقات أمنية وقضائية مخالفة لكل القوانين والأعراف والمواثيق واللوائح التنظيمية ضد جيش من الفتحاويين وسبقها كثير من التراكمات السلبية على مستوى الأداء والأدوات والشخوص والتوجهات على المستويين التنظيمي والوطني.

هنا لابد من القول مع الترحيب بأي خطوات إيجابية في هذا الاتجاه إلا أن الاشتراطات الشاذة لا لزوم لها ومن المعيب أن يلوح بها من يعيش حالة الأزمة إلا إذا كان ينوى إفراغ هذه الخطوة من مضمونها مسبقا لكونها تشكل مساسا بمصالح بعض المستفيدين من سوء الحال الفتحاوي ولا يستطيعون البقاء في أجواء صحية وصحيحة على المستوى التنظيمي، وللعلم كل أبناء وقيادات وكوادر تيار الإصلاح الديمقراطي في حركة فتح لا يشعرون بالنقص أو الانتقاص من فتحاويتهم وانتمائهم التنظيمي والنضالي والوطني بالرغم من كل القرارات والإجراءات الانتقامية بالفصل والطرد وقطع الرواتب والأحكام المزيفة التي صدرت ضدهم من الجهات المتنفذة وكأنها لم تكن ولا تساوي ثمن الحبر الذي كتبت به، بل زادهم الأمر تمسكا بانتمائهم الفتحاوي ودفعه إلى المزيد من الجهد والعمل من أجل ترسيخ حضورهم على الأرض، ويشكلون الأن قوة لا يستهان بها بل ويحسب حسابها ليس على المستوى التنظيمي فقط بل أيضا على المستوى الوطني والإقليمي، غير أن واقع الحال يقول أن انخراطهم في مشروع إنجاز وحدة الحركة يمثل قوة دافعة وإيجابية لا بد منها، لكن ما يجب أن يقال ويمثل رمانة الميزان أن الأزمة العميقة والخطيرة التي تعيشها حركة فتح أكبر من أن يتم الحديث عن عودة الأخ محمد دحلان إلى صفوف الحركة من عدمها، مع أن عودته ومن معه من قيادات وكوادر فتحاوية سوف تشكل رافعة حقيقية للحركة، وهي حق أصيل لا يستطيع أن ينكره عليه أحد لا بالحق ولا بالباطل فهو أبن هذه الحركة وقائد فيها شاء من شاء وأبى من أبى، وهنا حري بنا القول بوضوح أن وحدة فتح لا تستقيم بقرارات سطحية ومعالجات جانبية، فهي بحاجة إلى إجراء مراجعات جادة ومسؤولة على كل المستويات البنيوية والتنظيمية والسياسية تؤدي إلى وضع أسس جديدة تتلاءم مع متطلبات الواقع والقدرة على إنجاز أهداف الحركة، وفي مقدمتها إرساء تقاليد وضوابط واضحة محكومة بمحددات أكثر وضوحا للالتزام بالأنظمة واللوائح الداخلية للحركة التي تحتاج إلى إعادة النظر فيها بشكل دقيق وتطوير آليات صناعة القرار فيها والتقيد بمفاهيم الديمقراطية والإصلاح والشفافية والعدالة والمحاسبة ومكافحة الفساد والفاسدين وتنقية الجسم الحركي مما علق به من شوائب وطفيليات عبر تكريس الخيار الديمقراطي في كل مناحي الحياة الفتحاوية، والفصل بين كل ما يخص حركة فتح والسلطة والمنظمة، وفي جوهر القضية إقرار برنامج نضالي شامل في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي يعيد للحركة دورها الكفاحي وروحها النضالية ويمنحها ما تستحق من مكانة وهيبة واحترام، إلى جانب التأكيد على السعي من أجل تحقيق الوحدة الوطنية باعتبارها صمام الأمان للساحة الفلسطينية وقاعدة الفعل التحرري والكفاحي في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي والمشاريع التصفوية التي تستهدف القضية الوطنية، وإذا كانت وحدة حركة فتح وإخراجها من الأزمة الخطيرة التي تعيشها ضرورة ملحة وهي كذلك بالطبع، فإن الحلال بين والحرام بين، وما يصلح اليوم قد لا يصلح غدا، لذلك فإن التقاط اللحظة التاريخية والتعاطي معها بحكمة وإيجابية وتوفير مقومات استثمارها بشكل مسؤول حتما سيؤدي إلى إنجاز وحدة الحركة وتصويب مسارها، وإعادة الحقوق المعنوية والمادية إلى أصحابها ممن كانوا ضحية الممارسات العبثية والقرارات الخاطئة والانفعالات الكيدية، وذلك دون إغفال أو تجاهل الوقائع التي فرضت نفسها على الأرض وضرورة أخذها في عين الاعتبار، وإلا فلا داعي لتسجيل محاولة فاشلة سلفا تضاف إلى ما سبقها من مبادرات ومحاولات فلسطينية وعربية ودولية لم يكتب لها النجاح، ومع تمنياتنا أن تكون هناك إرادة حقيقية لإنجاز وحدة الحركة بالرغم من، كون أولاد الحرام ما تركوا لأولاد الحلال سكة والتجربة خير شاهد بما فيها من شواهد حية، لابد من القول أن حركة فتح بحاجة إلى مؤتمر عام حقيقي يسبقه تحضير عالي الدقة والمسؤولية بالشراكة والمشاركة الفعلية في إعداد كل ما يلزم من معالجات وصياغات ولوائح تعالج كل مثالب وسوءات الماضي والحاضر وأهمها عدم السماح للقيادة الحالية وأي قيادة لاحقة للحركة بإعادة إنتاج نفسها في كل مرة، أو التفرد والاستفراد بالسيطرة والتسلط على قرارها ومقدراتها ومصادرة دور مؤسساتها التنظيمية والحركية على كل المستويات، وبما يسمح للأجيال الشابة أن تأخذ دورها الطبيعي في قيادة الحركة وتجديد شبابها إذا صدقت النوايا، فلسطين تستحق الأفضل… لن تسقط الراية.