اقرأ أيضاً

بيانات صحفية

بعد الطبول التركية ضد التطبيع..

كتب: عدلي صادق:

استعرضت صحيفة “تايم أوف إسرائيل” الناطقة بالإنجليزية، يوم الجمعة الماضي، تطورات العلاقة بين تركيا وإسرائيل، وجاءت على ذكر الإشارات الجديدة الدالة على العودة الى التعاون.

وفي يوم الخميس الذي سبق النشر، اتصل وزير الخارجة التركي مولود جاويش أوغلو ـ حسب الصحيفة ـ بيائير لبيد وزير خارجة إسرائيل، للاطمئنان على صحته، بعد إصابته بوباء كوفيد. وقبلها بيوم قال الرئيس رجب طيب أردوغان إن الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ قد يزور تركيا قريباً، مضيفا أن هناك احتمالا لإبرام صفقة طاقة بين إسرائيل وتركيا.

وفي وقت أسبق من هذا الشهر، اتصل أردوغان بهرتسوغ، لتعزيته في وفاة والدته، وجاء التنظير للوجهة الجديدة، أثناء زيارة أردوغان لقطر في الأسبوع الأول من ديسمبر الماضي، عندما تطرق للعلاقة مع إسرائيل وقال للصحفيين إنه منفتح على تحسين العلاقات، لكن يجب على اسرائيل أولا إظهار سياسات “أكثر حساسية” تجاه الفلسطينيين، وأن هذا سيكون مفيداً للسلام في المنطقة!

في السياق، استقبل الرئيس التركي في قصر الرئاسة في أنقرة، في الحادي والعشرين من ديسمبر الماضي، ممثلي الجالية اليهودية في تركيا وأعضاء ما يسمى “تحالف الحاخامات في الدول الإسلامية” وأكد لهم على ما وصفه “الأهمية الحيوية” للعلاقات التركية الإسرائيلية في أمن واستقرار المنطقة.

نحن هنا، لا ننازع حق أردوغان وبلاده، في حرية اتخاذهم قرارات سيادية، لكن من حقنا، كأصحاب قضية تنكر حكومة إسرائيل فحواها السياسي، أن نتوقف أمام بعض الإشارات التي تناقض ما عبرت عنه السلطات التركية منذ أن صعد أردوغان الى سدة الحكم في العام 2002.

ومعلوم أن الطيف الإخواني في العالم العربي، أقام منابره الإعلامية في تركيا، وثابر على تقديم عروض التخوين التي اشتدت نبرتها مع تزايد عدد الدول العربية التي قررت التطبيع مع إسرائيل، ولم تدعُ رئيسها حتى الآن لزيارتها.

إن مجمل ما دلت عليه الوجهة التركية الجديدة، هو تنظير للتطبيع نفسه، برؤية تركية قديمة جديدة، بدأت منذ العام 1949 عندما كانت تركيا الدولة الأولى ذات الأغلبية المسلمة، التي تعترف بإسرائيل، علماً بأن عدنان مندريس، الذي تسلم رئاسة الحكومة في مايو 1950 وبقي فيها لعشر سنين، حتى انقلب عليه العسكر، كان وما يزال رمزاً للتوجه الإسلامي في تركيا، وهو الرجل الذي عمل على مأسسة العلاقات الإسرائيلية التركية، في مجالات الأمن والتسليح والشراكة الإقتصادية، لكن ذكراه تُعامل حتى الآن، على النقيض مما يقال في ذكرى جمال عبد الناصر.

فالرجلان بين يدي الله لكن الأول، كان متحمساً لحلف شمال الأطلسي، ويهدد باجتياح سوريا بالتعاون مع نوري السعيد في العراق، وكان ذلك السبب الأساس، لتجربة الوحدة المصرية السورية قبل توافر شروطها، بينما جمال عبد الناصر، نذر حياته لمطاردة النفوذ الإستعماري في العالم العربي، وفي قارات الدنيا، فجرى استهداف بلاده!

مع تسليمنا بأن الدول حرة في خياراتها، نتساءل عن معنى القول إن إسرائيل مطالبة أولاً بإتخاذ سياسات “أكثر حساسية”. ففي هذا المنطق مظنة اختزال الموضوع في الفارق بين غلاظة المشاعر ورقتها، على اعتبار أن الأولى ستكون مفيدة من أجل السلام، كمفهوم فضفاض. كذلك فإن “تطمين” الحاخامات اليهود الى رغبته في تحسين العلاقات مع إسرائيل، يستحث مظنة أخرى فادحة على مستوى الفصل بين الصهيونية والديانة اليهودية؛ وهي تنسيب الأقليات من هذه الديانة، في تركيا وفي الدول الإسلامية، الى إسرائيل ومشروعها الصهيوني، علماً بأن عدداً من رموز الجالية اليهودية في مصر، كانت في مواقفها العلنية، تهاجم ذلك المشروع، وتحث على الإندماج، مثل يوسف قطاوي ويوسف درويش والحاخام الأكبر في مصر حاييم ناحوم، وإيزيدور سلفادور، المفكر المتميز الذي كتب تاريخ مصر الإجتماعي، وناصب الصهيونية العداء، وكان يوقع باسم أحمد صادق سعد، الذي توفي في القاهرة في العام 1988.

فإن كانت هذه هي وجهة أردوغان، فلماذا طبول النفير، ضد التطبيع، طالما أن العلاقات حسب رأيه “مفيدة” من أجل السلام، ولا تتطلب سوى “حساسية” إسرائيلية أكثر، علماً بأن إسرائيل نشأت غليظة وبمنهجية الجريمة التي ما تزال تتوالى فصولاً!